تحدث تقرير أميركي عمّا توصف بـ«كواليس» زيارة قائد «القيادة العامة» المشير خليفة حفتر إلى موسكو وعلاقتها بزيارة سابقة لنائب وزير الدفاع الروسي يونس بيك يفكوروف إلى بنغازي، زاعما وجود خطط لبناء منشأة عسكرية رسمية مقابل تلقيه عروضا لانتقال جنود «فاغنر» للعمل في شركات عسكرية خاصة أخرى بديلة عن مجموعة صاحبها يفغيني بريغوجين.

وبعد شهر من وفاة رئيس شركة «فاغنر» الأمنية يفغيني بريغوجين في حادث تحطم طائرة، تحاول السلطات الروسية تأكيد سيطرتها على الهيكل العسكري الموازي، لكن لا تزال عبارة «بريغوجين على قيد الحياة»، الجملة الأكثر تداولا عبر محرك البحث الروسي «ياندكس» بعد مضي ما يزيد على شهر من تحطم طائرة إمبراير ليغاسي في 23 أغسطس والتي أودت بحياة زعيم فاغنر. ويواصل الآلاف من المرتزقة الروس نشاطهم والقيام بعمليات قتالية في الخارج وفق تقرير لموقع «المونيتور» الأميركي أمس الأحد.

وأشار التقرير إلى نشاط دبلوماسي غير مسبوق لنائب وزير الدفاع الروسي يونس بيك يفكوروف، الذي زار ساحات عمليات فاغنر في سورية وليبيا وباماكو ومالي وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى في أواخر سبتمبر الماضي.

وقف التعاون المباشر مع «فاغنر» مقابل الدعم الرسمي والتعاون العسكري التقني
وسعى يفكوروف لإقناع السلطات الأفريقية برفض التعاون المباشر مع «فاغنر»، وفي المقابل، يجرى تقديم الدعم الرسمي لهم والتعاون العسكري التقني والشركات الخاصة المرتبطة مباشرة بالاستخبارات الروسية.

وبحسب ما ورد لا يزال الجيش يعرض السماح لجنود «فاغنر» بالانتقال إلى شركات عسكرية خاصة أخرى تعمل على توسيع وجودها في سورية وستبدأ العمل في ليبيا سواء السلطات المحلية تحت إدارة سواء الرئيس السوري بشار الأسد، أو الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر أو حتى القوات المسلحة المالية.

وكشف «المونيتور» أن زيارة حفتر موسكو في 26 سبتمبر وفقا لمصادر مطلعة على عمل فاغنر في ليبيا، لم تكن بسبب الفيضانات المدمرة في ليبيا فحسب، بل كانت تتعلق أيضا بإنشاء منشأة عسكرية روسية رسمية في طبرق أو بنغازي، كما جرى الاتفاق عليه سابقا خلال رحلة يفكوروف في أغسطس.

وقال مصدر مطلع مقرب من السلك الدبلوماسي الروسي لـ«مونيتور» شريطة عدم الكشف عن هويته «من المفهوم أن حفتر يحاول تحصيل مزيد النقاط من الجانب الروسي، لكن مسألة وجود فاغنر مهمة للغاية، ليس فقط بسبب إعادة هيكلة الوجود الخاص الذي تروج له موسكو الآن، ولكن أيضا بسبب الدعم اللوجستي للمجموعة».

وأضاف المصدر «هناك الكثير من المشاكل المرتبطة بهذا، مثل الحظر الذي فرضته الوكالات الروسية على استخدام قاعدة حميميم الجوية السورية كمركز عبور، والصراعات مثل تلك التي وقعت في منتصف سبتمبر». وطلبت السلطات الروسية من حليفتها الحكومة السورية عدم التعاون مع فاغنر في أعقاب التمرد في يونيو.

تهديدات بضرب منشأة عسكرية روسية غير رسمية في ليبيا
وفي الفترة من 11 إلى 12 سبتمبر في حمص السورية، كادت القوات الجوية الروسية أن تسقط طائرة نقل عسكرية تابعة لشركة فاغنر كانت في طريقها للهبوط في مطار «تي 4» (مطار عسكري للقوات الجوية العربية السورية)، وإضافة إلى أفراد الخدمة الروسية، كانت الطائرة تقل أيضا أكثر من 100 من المرتزقة السوريين الذين جندتهم المجموعة للقتال إلى جانب حفتر. وبحسب مصدر في «مونيتور» على علاقة بفاغنر، فإن بريغوجين «حاول توسيع أسطول الطائرات المستقلة عن وزارة الدفاع وقام بعدة عمليات شراء» خلال حملة أوكرانيا.

- مجلة إسبانية: بوتين ناقش مستقبل «فاغنر» مع حفتر.. وواشنطن وجهت تحذيرا 
- كيف يقرأ الفرنسيون زيارة حفتر لموسكو؟
- القيادة العامة: حفتر يلتقي بوتين ووزير الدفاع الروسي في موسكو

وبحسب قنوات «تلغرام» التابعة لفاغنر، فقد جرى إدارة الوضع من خلال مفاوضات بين يفكوروف والمرتزقة الذين هددوا بضرب منشأة عسكرية روسية غير رسمية في ليبيا. ومع ذلك، فإن الحكومة السورية، التي طلبت موسكو منها عدم مساعدة فاغنر في مجال الخدمات اللوجستية، منحت للمرتزقة إمكانية الوصول إلى مطار «تي 4»، الذي استخدمه الإيرانيون أخيرا.

حسب التقرير الأميركي، فقد بدأت عملية التشرذم مباشرة بعد وفاة بريغوجين وذلك بين قيادة فاغنر الحالية ممثلة في نجله بافيل، ورئيس الأمن ميخائيل فاتانين، والقائد العسكري الحالي أنطون «لوتس» إليزاروف وغيرهم من أمراء الحرب والموظفين المدنيين.

وظهر ذلك من خلال ثلاثة تطورات وهي عودة بعض مرتزقة فاغنر السابقين ضمن ما يسمى بـ«الفيلق الاستكشافي»، إلى الجبهة الأوكرانية في منطقة باخموت. كما بدأ بعض مدربي فاغنر، بالتعاون مع السلطات الإقليمية في منطقة روستوف أوبلاست المجاورة لأوكرانيا ومنظمة للمحاربين القدامى، في تدريب وحدات الدفاع الإقليمية المحلية.

في المقابل، تستعد روسيا للنقل الرسمي للجماعات المسلحة التطوعية تحت إشراف الحرس الوطني الروسي المعروفة باسم «روسغفارديا»، واحتمال استخدامها في الخارج. غير أن «روسغفارديا» ليس لديها أي خبرة جادة في العمل في الخارج ومن الناحية النظرية لا يمكنها إلا أن تكون بمثابة غطاء رسمي لتصرفات فلول فاغنر.

من جهة أخرى، يؤكد مصدر «المونيتور» الذي يتمتع بعلاقات مع السلك الدبلوماسي الروسي أنه في حين أن العمود الفقري لفاغنر لا يزال قادرا على المناورة في أفريقيا، فإن الوضع في سورية أكثر تعقيدا بسبب وجود القوات الرسمية ومشاركة فاغنر في إنتاج النفط والغاز. وتتلقى هياكل فاغنر نسبة مئوية من الأرباح منذ العام 2017 لإنتاج النفط والغاز في المناطق المحررة من داعش، ولكن على مر السنين، تراكمت على حكومة الأسد ديون كبيرة لهياكل بريغوجين على الرغم من المدفوعات المنتظمة إلى حد ما.

ووفقا لمصادر قريبة من الهياكل السابقة لبريغوجين، فقد وعدت موسكو السوريين بإسقاط ديونهم لشركة فاغنر في حالة رحيل المجموعة واستبدالها بشركة «ريدوت»، لكن دمشق لا تزال تخشى تعطيل العمل. وبشكل عام، يظل الكرملين معتمدا على دبلوماسية الظل. وفي الوقت نفسه، يقول العديد من الخبراء الروس إن الجنرال سيرجي سوروفيكين، الذي ظهر فجأة في الجزائر وجرى فصله من منصب قائد القوات الجوية الروسية بسبب تمرد بريغوجين، سيعمل في مجال دبلوماسية الظل وسيعمل تحت حماية الكرملين.

المشاكل في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى
وفي القارة الأفريقية ينشط المرتزقة بشكل أكبر في مالي، المكان الذي سجل فيه بريغوجين حضوره الأخير عشية تحطم الطائرة. وعلى سبيل المثال يذكّر التقرير الأمريكي بمشاركة فاغنر بنشاط في عمليات قتالية إلى جانب القوات المسلحة المالية في اشتباكات مع حركة تحرير أزواد. وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، تحطمت طائرتا هليكوبتر من طراز «مي-8» وطائرة نقل من طراز «إن-26» فجأة في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، مما أثار مزيد الشكوك حول تعاون «فاغنر» مع الكرملين.

وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، سقطت لأول مرة جثة أحد مرتزقة فاغنر في أيدي جماعة متمردة تعرف باسم العودة والإصلاح والتأهيل. لكن في رأي «المونيتور»، حتى من دون بريغوجين وديمتري أوتكين وفاليري تشيكالوف، الذين كانوا مسؤولين عن التدريب القتالي واللوجستي والذين لقوا حتفهم في حادث تحطم الطائرة في 23 أغسطس لا تزال فاغنر منخرطة في قتال جدي.