Atwasat

متري: شرعية ليبيا في مكان والقوة في مكان آخر

القاهرة - بوابة الوسط الثلاثاء 07 أكتوبر 2014, 01:45 مساء
WTV_Frequency

أقر طارق متري، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بأنَّ السلاح تدفق إلى ليبيا بصورة شرعية وغير شرعية في آن واحد، مشيرًا إلى أنَّ بعض الدول تتدخل في الشأن الليبي لحسابات سياسية، بحجة محاربة الإسلاميين أو الدفاع عنهم.

وفي غمرة الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، كشف متري في حديث لـ «إيلاف»، أنَّه لا يوجد نفوذٌ كبيرٌ لتنظيمي «القاعدة» و«داعش» في ليبيا. ولم يوصد متري الباب أمام عبور ليبيا إلى بر الأمان، شرط توافر الإرادة السياسية الداخلية والخارجية لذلك، وأكد أنَّ الشرعية في مكان والقوة في مكان آخر في ليبيا اليوم.

ويذكر أنَّ قوات «فجر ليبيا» تسيطر مع جماعات إسلامية على غالبية المراكز الحيوية في ليبيا بينها العاصمة (طرابلس)، فيما تتواصل الاشتباكات في بنغازي بين قوات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر وتشكيلات مسلحة بينها تنظيم «أنصار الشريعة» المتطرف.

وفي ما يأتي نص الحوار:

هل أخطأت الدول الغربية في تدخلها العسكري في ليبيا؟
جرى التدخل الدولي في ليبيا في غفلة من الزمن، فبعض الدول الغربية كان مترددًا، وبعضها الآخر كانت له حساباته. روسيا والصين لم تمانعا بل امتنعتا فقط عن التصويت. هناك مجموعة عناصر سمحت بالتدخل الدولي في ليبيا ولم تتوافر في حالة أخرى، من هنا يُمكن القول إنَّه كان تدخلاً استثنائيًّا. مما لا شك فيه أنَّ تهديد معمر القذافي باقتحام مدينة بنغازي والانتقام من الذين ساروا ضده كان جديًّا، وبنغازي كانت فعلاً مهددة بمجزرة، لذلك فإنَّ ما أعطى التدخل العسكري دفعًا وقيمة إنسانية كان الدفاع عن مدنيي بنغازي بوجه جيش القذافي الزاحف إليها، وبالفعل أنقذت بنغازي من مجزرة محققة.

لكن التدخل العسكري الأطلسي لم يكن فقط لحماية بنغازي بل ذهب أبعد من ذلك وأسفر عن إسقاط النظام في خضم حسابات ومصالح دولية، بينها مَن كان متحمسًا ومن كان أقل حماسًا مثلاً الولايات المتحدة، كما تكشف لنا من مذكرات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون التي كانت مترددة للغاية، واضطُرت للمشاركة في حملة عسكرية لم تكن هي صاحبة الرغبة الأولى فيها. المشكلة لم تكن في إسقاط القذافي، لكن المشكلة هي أنَّ عملية بناء ليبيا الجديدة أي بناء مؤسساتها ووحدتها الوطنية، لم تكن بالسهولة التي توقعها المتدخلون ولم تكن حتى ميسورة كما ظنَّ الليبيون أنفسهم.

التدخل الدولي في ليبيا جرى في غفلة من الزمن

ظن الليبيون أنَّهم بمجرد إسقاط حكم القذافي الديكتاتوري فستكون لبلادهم فرصٌ كثيرة تسمح لها بأن تقيم دولة وتسلك طريق الديموقراطية. الثورة تنجح في إسقاط نظام لكنها لا تنجح بالضرورة في إقامة نظام آخر، وهذا ما حصل في ليبيا.

التدخل الخارجي يُفاقم الأزمة
العقبة الأساس للأزمة الليبية هي تفشي السلاح.. كيف يُمكن معالجة هذا الوضع؟ وهل تدخل غربي جديد في ليبيا هو الحل الأمثل لمعالجة هذه الأزمة؟
لا، التدخل العسكري في ليبيا مستبعدٌ اليوم. سمعنا عن تدخل فرنسي في جنوب البلاد، لكنه موضعي عند حدود النيجر ولا يقصد منه تأمين ليبيا بقدر ما يقصد العائدين من مالي.

ما أؤكده في حدود ما أعرفه أنَّه ليست هناك نية غربية في تدخل عسكري في ليبيا.

مشكلة السلاح هي العقبة الأساس التي حالت دون قيام الدولة، فالسلاح تفشَّى منذ الثورة ومنذ استيلاء الثوار على مخازن أسلحة القذافي، والجميع يعلم أنَّ القذافي كان يُكدس الأسلحة، والأطراف التي دعمت الثوار ثم فئات ليبية متعددة استمرت في إرسال السلاح والذخائر إليها، ومن هنا كميات الذخائر والسلاح في ليبيا كبيرة. والمسلحون الذين قاموا بالثورة كان عددهم بضع عشرات الآلاف إلا أنَّ أعدادهم تضخمت بعد الثورة، فهناك ما يتجاوز سقف مئتين وخمسين ألف مسلح يقولون إنَّهم ثوارٌ، لكن القسم الكبير منهم ثوار ما بعد الثورة، نظموا أنفسهم بكتائب، والمجلس الوطني الانتقالي، ومن بعده الحكومات الموقتة اضطرت للتعامل معهم بوصفهم بمثابة رديف أو بديل، حتى الجيش والشرطة لم يكونا موجودين، ما جعل منهم ألوية سُميت بـ«دروع ليبيا» ولجانًا سُميت بـ«لجان أمنية» وبات المسلحون يقومون بمهام الجيش والشرطة وأصبح الاستغناء عن خدماتهم متعذرًا، ويتقاضون أجورًا من الدولة.

من هنا، مسألة السلاح والمسلحين في غاية الصعوبة، لا يُمكنُ حلها إلا من داخل ليبيا، وأي تدخل خارجي سيُفاقم الأزمة ويزيد انقسام الليبيين. الحل الوحيد يكمن في أن يُجمَع الليبيون على خطة سياسية لبناء الجيش والشرطة وعلى عملية تسليم تدريجي للسلاح ودمج المسلحين في الأجهزة الرسمية.

ليست هناك نية غربية في تدخل عسكري في ليبيا

ألا تزال الأطراف الخارجية مستمرة في دعم التشكيلات المسلحة في ليبيا؟ ومَن هي؟
لن أسمي دولاً بعينها، لكنّ الطرفين المتناحرين في ليبيا يسميان خصومهما.

هناك مَن يسمي قطر وهناك مَن يسمي الإمارات التي قصفت بالطيران، وهناك مَن يسمي السودان، وهناك مَن يتهم مصر بالتدخل غير المباشر. ليست مهمتي التسمية، وما لا يدع مجالاً للشك وما تؤكده تقارير بعثة خبراء لجنة العقوبات في مجلس الأمن هو أنَّ السلاح تَدَفَّقَ إلى ليبيا بصورة غير شرعية، وبعض السلاح الذي تَدَفَّقَ إلى ليبيا بصورة شرعية أي بناء على طلب من الحكومة الليبية هو في حقيقة الأمر لجهات بعينها.

ولم يكن للجيش أو لم يؤدِ إلى بناء الجيش الليبي، ولم يكن سلاحًا لمصلحة الشرطة، بالتالي كان هذا شكل التدخل الأساسي. كانت هناك مصالح سياسية وأيديولوجية للدول ليست بالضرورة نفطية، لكن المصالح السياسية قد تكون أهم من المصالح النفطية، لأن المصالح النفطية شبه مؤمنة.

بناء الدولة الليبية
هل هناك إرادة سياسية خارجية تحُوْل دون بناء دولة المؤسسات في ليبيا؟
أرى أنَّ الطريق إلى بناء الدولة الليبية يكمن في مساعدة الليبيين على الاتفاق في ما بينهم على بناء توافقات في المسائل العالقة، بدءًا بالسلاح ووصولاً إلى بناء مؤسسات للدولة على اختلافها. أرى هذه التوافقات شرطًا أساسيًّا لبناء دولة ليبية. لكن بعض الدول بدل أن تساعد على الوفاق تتدخل لحسابات سياسية.

هناك مَن ينتصر لفئة ضد أخرى، وهذه هي إحدى مشاكل ليبيا الحالية، بالتالي إذا أرادت دول الجوار والدول العربية والغربية التي تريد مصلحة ليبيا أن يُعاد بناء الدولة الليبية وأن تتفادى ليبيا الانزلاق نحو ما يُشبه الحرب الأهلية، وهذا خطرٌ حقيقيٌ يتهددها، بالتالي إذا كانت كل هذه الدول ترغب ذلك فعليها أن تتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية الليبية، وأن تعمل على مساعدة الليبيين على الحوار في ما بينهم. يجب أن لا تنسحب المواقف الإقليمية على الوضع الليبي الداخلي، الذي له خصوصيته. الليبيون أدرى بمعالجته لأن الأزمة الليبية لا تُعالَج إلا من الداخل، بمساعدة من الخارج.

تعرَّضتم لهجوم شرس من أطراف ليبية مختلفة بعد الدعوة إلى الحوار.. مَن هي هذه الأطراف؟
تعرَّضت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لانتقادات من الطرفين المتناحرين، من «الميليشيات» الإسلامية وغير الإسلامية. في شهر فبراير، تعرَّضت بعثة الأمم المتحدة لحملة قاسية من طرف، وفي شهر يونيو تعرَّضت لحملة متجنية من الطرف الآخر.

وفي الحادثتين، كانت بعثة الأمم المتحدة تسعى لفتح حوار بين الأطراف الليبية للتوفيق بينها. لكن عندما كان يشعر أي من الطرفين أو يعتقد أو يحسب أنَّ ميزان القوى لمصلحته كانت تضمحل رغبته في إكمال الحوار، فلا يتجاوب مع دعوتنا.

هذا حرفيًّا ما حصل في يونيو حين اعتقدت فئة أنَّ حركة اللواء المتقاعد خليفة حفتر قد تغيِّر ميزان القوى العسكرية، وأنَّ الانتخابات التشريعية ستؤدي إلى انتصار ساحق لها على الإسلاميين. وعندما تشعر فئة في ليبيا بأنَّها ستنتصر سياسيًّا وأنها قادرة عسكريًّا على تحقيق الإنجازات تقول لماذا علينا المشاركة في الحوار مع الطرف الآخر؟ بعثة الأمم المتحدة أكدت دائمًا أنَّ في المجتمع الليبي تناقضات كثيرة وتنوعًا كبيرًا، ولا يُمكن لفريق أن يغلب الآخر، وأنَّه حتى مَن انتصر انتخابيًّا، فذلك لا يُعطي لأكثرية مجلس النواب الحق على استحواذ السلطة كاملة، إذ لا بد من مشاركة الأغلبية والأقلية الانتخابية، والحوار هو في الأساس للاتفاق على الحد الأدنى الذي يسمح بتفادي المواجهة.

كبعثة أممية كنا نرى أنَّ المواجهة قادمة، وكنا نعمل على درء هذا الخطر، بالتعويل على الحوار الوطني لامتصاص جزء من الاحتقان الذي كان يهيّئ لمواجهة كبيرة. ومارسنا حيادنا الفعلي من باب حرصنا على ليبيا، لكن كان كل طرف يعتبرنا منحازين للطرف الآخر، وهذه مشكلة يعانيها كل وسيط في النزاعات.

التشدد والفوضى
سنوات ما بعد القذافي أظهرت عجز «الميليشيات» المسلحة عن الحوار.. فهل الحل بتقسيم ليبيا؟ وهل ليبيا في طريق الصوملة؟

طبعًا، هذا خطرٌ كبيرٌ ماثلٌ أمام ليبيا. لكن الآن هناك بدايات حوار دعا إليه الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا برنادينو ليون، وقد جرى التجاوب وإنْ جزئيًّا مع دعوته للحوار، ونأمل بأن يقتنع الطرفان أنَّه لا يُمكن لأحد منهما أن يغلب الآخر ويُقصيه. وهناك أيضًا محاولة من الدول الخارجية كالجزائر التي تعمل لاستضافة حوار ليبي - ليبي.

هناك أمل، لكن إذا فشل الحوار فسنبقى أمام وضع غريب من نوعه. في ليبيا هناك مجلس نواب شرعي منتخب يتمتع بالشرعية، لكنه موجودٌ في مدينة طبرق في أقصى الشرق، ولا يسيطر على أي مدينة ليبية أخرى. فيما الفئة التي تسيطر على طرابلس العاصمة وبنغازي وغيرهما من أهم مدن ليبيا هي معارضة للشرعية الانتخابية، بالتالي هذا وضعٌ لا يُمكن أن يستمرَ ولا يُمكن أن يتغيّر إلا بالقوة وبالحوار.

جربوا القوة وهذا ما أدت إليه، فلم يبقَ أمامهم سوى محاولة الاتفاق السياسي، لذلك أعيد التأكيد على أنَّ التسوية السياسية هي السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، إنْ لم تكن بين الأطراف المتناحرة تسوية سياسية فطبعًا بحقيقة الأمر ليبيا تسير نحو حالة تُشبه حالة الصومال، أي أنَّ أجزاء كبيرة من ليبيا تخضع لفئة، وأجزاء أخرى تخضع لفئة أخرى، وهذا يعزز قوة الجماعات المسلحة ويخلق الفوضى.

إذا فشل الحوار فسنبقى أمام وضع غريب من نوعه

وكل فوضى تستفيد منها الجماعات الأكثر تشددًا، الجماعات المتطرفة والإرهابية وهذا خطرٌ حقيقيٌ يتهدد ليبيا.

لا «قاعدة» ولا «داعش»
هل ليبيا في خطر؟ أم ليبيا خطر على دول أخرى في المغرب العربي؟
أكثر الدول المجاورة تضررًا من الأزمة الليبية هي تونس. فتونس تحمل العبء الأكبر نتيجة تدفق الليبيين إليها، وبسبب تهريب السلاح وانتقال المسلحين من ليبيا إلى تونس.

مصر أيضًا لا تريد أنَّ تقوم على حدودها دولة فاشلة، إذا ما وصلت الأوضاع بليبيا إلى ذلك. والجزائر أيضًا متوجسة من خطر ذلك. بالتالي، دول جوار ليبيا لا مصلحة لها في انهيار الوضع الليبي، لذلك عليها أن تتعاون من أجل الحيلولة دون هذا الانهيار.

وأعتقد أنَّه لا يُمكن أن تحُوْل دون هذا الانهيار إلا إذا اتخذت موقفًا يدعو للتوافق، وليس موقفًا يعزز طرفًا ضد آخر.

وصحيحٌ أنَّ هناك جماعات متطرفة كـ«أنصار الشريعة» في بنغازي، لكن في حدود ما أعرفه لا يوجد نفوذٌ كبيرٌ لتنظيمي «القاعدة» و«داعش» في ليبيا، ما عدا إمارة صغيرة في درنة في الشرق. لكنّ هناك نفوذًا لحركات كـ «أنصار الشريعة»، وهي حركة إسلامية راديكالية، وقد تزداد نفوذًا في ظل الفوضى الحالية.

كيف تصفون ليبيا اليوم وما يمكن أن تصل إليه غدًا؟
ليبيا اليوم بلدٌ فيه انقساماتٌ حادة. انفجرت فيه تناقضات أيديولوجية وسياسية وجهوية وقبلية في آن واحد. الدولة ضعيفة إلى أقصى حد، ووضع ليبيا اليوم يختصر في أنَّ الشرعية في مكان، والقوة في مكان آخر.

وعن ليبيا في الغد، في اعتقادي أنَّ هناك فرصة أمام ليبيا إذا تم التوصلُ إلى توافق بين الليبيين على استئناف مسار انتقالي سيكون بالتأكيد صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر، لكنه قابلٌ للاستئناف. وإذا لم يتفقوا على هذا، فستبقى ليبيا أرض مواجهة، والمواجهة تحتمل الفوضى، والفوضى تزيد من نفوذ الجماعات الأشد تطرفًا والجماعات الإرهابية.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
استعداد أميركي لدعم التطلعات الاقتصادية في ليبيا
استعداد أميركي لدعم التطلعات الاقتصادية في ليبيا
نجاح عملية قلب مفتوح لطفل حديث الولادة في تاجوراء
نجاح عملية قلب مفتوح لطفل حديث الولادة في تاجوراء
إخماد حريق بمحول كهرباء في جالو
إخماد حريق بمحول كهرباء في جالو
«هنا ليبيا» يرصد: البناء العشوائي أسفل أبراج الكهرباء في طبرق.. وسباق الشباب في بنغازي
«هنا ليبيا» يرصد: البناء العشوائي أسفل أبراج الكهرباء في طبرق.. ...
حالة الطقس في ليبيا (الثلاثاء 21 مايو 2024)
حالة الطقس في ليبيا (الثلاثاء 21 مايو 2024)
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم