Atwasat

منصور بوشناف: مشروعي الحقيقي النبش في الموروث المعرفي الليبي

القاهرة - بوابة الوسط الأربعاء 27 مارس 2024, 05:37 مساء
WTV_Frequency

احتضنت دار محمود بي للثقافة بالمدينة القديمة طرابلس، أمس الثلاثاء حوارية تكريمية للكاتب والأديب الليبي «منصور بوشناف». أدارها الشاعر والكاتب خالد درويش

وجاءت الفعالية في إطار دورة أيام الخير لليالي المدينة الموسم الرمضاني للعام 2024، وفقا لموقع «بلد الطيوب».

 وشهدت الاحتفالية حضور كبير ولافت من النخب الأدبية والصحفية والإعلامية، وأكد مدير الندوة على أهمية المنزلة الكبيرة التي يحظى بها المنجز الإبداعي لبوشناف ضمن المشهد الأدبي الليبي متوقفا عند محطات من سيرته الذاتية.

الخطوات الأولى نحو المستقبل
أشار بوشناف إلى أن أول عمل مسرحي يكتبه في مسيرته كان وهو بعد طالبا في المرحلة الإعدادية مشيرا إلى أن كتابته لنصه المسرحي الشهير «عندما تحكم الجرذان» تزامنت مع دراسته الثانوية فضلا عن مواظبته على النشر بصحيفة الفجر الجديد بشكل منتظم وقتذاك.

بوشناف يوقّع «الكلب الذهبي» و«العلكة» بمعرض القاهرة الدولي للكتاب
بوشناف يحاضر عن علاقة الفن التشكيلي بالمسرح
بين «العلكة» و«الكلب الذهبي».. سرد يوصف عناصر الهشاشة ومفهوم الكيان

 وأضاف بوشناف أنه «كان محظوظا حينما سمحت له الظروف مبكرا بالكتابة والنشر ويُرجع ذلك إلى نشأته وسط بيئة جعلته يُعبِّر عن مكنونات ذاته بهامش كبير».

 كما يذكر بوشناف تجربته في الوقوف للأول مرة كممثل على الرُكح العام 1965 بتشجيع ودفع من قِبل الفنان إبراهيم الكميلي بمدرسة مصراتة المركزية بعد انتقاله من منطقة بني وليد ذات الطابع الريفي والبدوي، ويضيف أبوشناف أنه رغم عدم استمراريته كممثل إلا أن الفنان الكميلي وطّد صلته بدنيا المسرح مذ ذاك الوقت.

وأكد بوشناف بأنه كان ينتمي إلى جيل تميّز بحظوظ وافرة إلى حد كبير مُبررا ذلك بتوفر مُناخ مؤسساتي كان سائدا في ليبيا آنذاك فمثلا مؤسسة المدرسة حسب بوشناف كانت تضطلع بمسؤولية رعاية طلابها والاهتمام بتكوينهم العلمي على رأسهم أساتذة ومعلمين حقيقيين اعتنوا بتدريس المسرح والموسيقى والرسم.

 وتابع بوشناف قائلا: «إن الفضل في تكوينه ونشأته ثقافيا وفكريا أولا إلى المدرسة ثم إلى المعلمين الأوائل في مدرسة مصراتة المركزية».

العصر الذهبي لمصراتة
ووصف بوشناف مدينة مصراتة بأنها كانت بمثابة المشتل لما تمتعت به المدينة من زخم ثقافي وفني وتعليمي في رعاية المواهب أوان تلكم المرحل.

 وتناول بوشناف رحلة انتقاله من بيئة مجتمع بني وليد البسيط والفقير والأميّ الذي يفتقر فيه منزل أبواه للكتاب والمكتبة إلى براح مدينة مصراتة، ومن مصراتة ومدرستها المركزية، ارتبط  بالكتاب والمكتبة بحكم وجود المكتبة المدرسية هناك بواسطة استعارة الكتب وقراءتها وتلخيصها.

 ولازال بوشناف يحتفظ في سجل ذكريات بأول كتاب قرأه وهو«قصة فتح الأندلس» العام 1965علاوة على خدمات المركز الثقافي الذي كان يُوّفر المجلة والجريدة والكتاب للطلبة المهتمين بنهل العلوم والمعارف كذلك مكتبة المدينة.

ووصف بوشناف واقع الفاقة والإهمال الشديدين ببني وليد آواخر الخمسينات وأوائل الستينات من القرن المنصرم دفعت بعائلته لتخصيص جزء من منزلهم (المربوعة) لكي يصبح مدرسة يدرس بها الطلاب مؤقتا قبل أن تُشيِّد لاحقا هيئة الإمم المتحدة مدرسة بالمنطقة.

 وأردف بوشناف أنه حالما انتقل للإقامة والدراسة في مدينة مصراتة اختلف الحال تماما فمصراتة حينها كانت مجتمع زراعي فلاحي تجاري بالإضافة لبداية لوجود مشروع نهضوي حقيقي داخل مصراتة ظهرت ملامحه في المركز الثقافي، والمدرسة المركزية، وفرقة المسرح،

وأكد بوشناف أن انتقاله من بيئة إلى بيئة أخرى مثّل له حالة اغتراب وهذا الاغتراب وفق تعبير ه حفّزه لاكتساب المعرفة وللتعبير عن الذات تحت ظل مُناخ منفتح ساعده كثيرا، وبدايته الفعلية في الكتابة انطلقت من نشر كتاباته الأولى على الصحف الحائطية إلى جانب محاولات الكتابة للمسرح وممارسة التمثيل ففي نهايات المرحلة الإعدادية وبداية المرحلة الثانوية كان من أشبال المسرح الوطني في مصراتة، وأشرف على تعليمهم أصول ومهارات الفن المسرحي الفنان والممثل المصري عبد البديع العربي، ثم انتقاله للمسرح الجامعي وانخراطه في العمل باتحاد الطلبة. 

آواصر الشغف مع التاريخ القديم
بينما أوضح بوشناف مرة أخرى أنه انتمى إلى جيل تمتع بميزة توفر مؤسسات حقيقية للدولة كالمدرسة ودورالمعلم وهو ما حُرمت منه الأجيال اللاحقة، وهذه الركائز ساهمت في تكوين وصقل جيل أبوشناف في ضوء المحاولات الطموحة للمجتمع الليبي إبّان فترة الستينيات للمعرفة والتنوير والنهضة، مؤكدا بأن المجتمع الليبي كان وقتذاك يراهن على التعليم ويُعوِّل عليه في بناء معالم المستقبل، واستمر هذا الوعي حتى نهاية السبعينيات،

وأعرب بوشناف عن اهتمامه الشديد بمتابعة ما يجري على الساحة حاليا بقراءة كل ما يصدر عن ليبيا في المنشورات العالمية بعدة لغات أجنبية، قائلا : «إنه وجد الدارسين الأجانب للتاريخ والواقع الليبي وصلوا بدراساتهم لأعمق مما وصلنا إليه نحن بالكشف عن بعض الجوانب داخل حركة مجتمعنا الليبي»،

وفي إجابة عن سؤال كيف ولد الشغف لدى بوشناف بالنقوش التاريخية وكتابات الفن الصخري قال « إن ملامسته لهذا الشغب بدأت تترعرع مع قراءته لكتاب المؤرخ الليبي محمد مصطفى بازامة المعنون «ليبيا هذا الاسم في جذوره التاريخية» الصادر عام 1965م ويحكي هذا الكتاب عن عربات الجرمنت وعن الأهرامات الليبية، ويبيّن بوشناف بأن هذا الكتاب استرعى انتباهه إلى كيان مهم وكبير اسمه ليبيا الليبيون يجهلونه،

وأضاف بوشناف أن كتاب بازامة يُعد مرجعيته الأولى كونه أسس لعلاقته الجوهرية بالتاريخ الليبي القديم، وحسب قوله أن تجربة السجن وسّعت مداركه حول الكثير من التأملات عن المجتمع الليبي تاريخيا، وتابع بالقول انه بدأ بتلمّس بلورة وتطور الكيان الليبي عبر التاريخ من مرحلة ما قبل التاريخ وصولا إلى التاريخ المعاصر، موضحا أن مشروع بحثه في تاريخ ليبيا ظل همّه الأساسي، وأردف قائلا : بعد اطلاعه وقراءته للفنون والآداب ولجزء كبير من التاريخ كانت أولويته بعد الخروج من السجن هي التعرّف على ليبيا بطريقة مباشرة وليست ضمن الكتب فقط ما جعله يقوم بعدد كبير من الجولات والرحلات امتدت لنحو عشرة آلاف كيلو في الصحراء الليبية وزيارته لأبرز المواقع التاريخية الهامة شمالا وجنوبا متتبعا الفنون الصخرية بدءا من منطقة «إبيار مجّي» في ترهونة مرورا بوادي الناقة في درنة والمنصورة في البيضاء انتهاءً بالجبل الغربي وبجبال أكاكوس.

انكماش المبدع الليبي
من جانب آخر أبدى بوشناف استغرابه بأن الليبيين برغم هذا الكيان العظيم بيد أن الشعب يعاني حالة انفصال عن هذا الكيان ولاوعي ملحوظ مؤكدا بأن المشكلة لا تكمن في انقطاع الليبيين عن هذا الموروث بقدر تكمن في مسألة الوعي به موضحا أن مشروعه الحقيقي هو النبش في هذا الموروث وربطه بالوعي الجمعي واظهاره لسطح الوعي وإعادة الثقة بهذا الكيان الليبي فنحن وفق أبوشناف قد فقدنا الثقة بكياننا لدرجة أننا تبنينا فكرة أن هذا الكيان مجرد صندوق رمل إنما الكيان الليبي مليء وثري جدا بل هو أكثر ثراءً من الكيانات الأخرى.

 وعن الأدب الليبي تحدث بوشناف قائلا: إن الأدباء الليبيين كانوا يعيشون هاجسا بعدم الاعتراف العربي بمنتوجهم الأدبي والفكري فالمبدع الليبي تلقى صدمات كثيرة ونكران كبير من الأدب العربي،

ويعتقد بوشناف أن هذا الأمر ليس بغريب باعتبار تحكّم ما سماها بالمركزية المشرقية فالعرب يقصرون الأدب في حدود مصر والشام فقط وأدب شمال أفريقيا كان بالنسبة لهم شبه مجهول وأحيانا لا يلقون له بالا، وعزا بوشناف ذلك إلى الطبيعة الليبية في الانكماش انطلاقا من المومياء الليبية «وان موهجاج»، وبالتالي ظل الليبيون حسب تقدير أبوشناف ينكمشون دائما على ذواتهم فلا يعبرون عن أنفسهم، ويرى بوشناف أن مكمن الخلل في ذلك أن الليبي توهّم أنه لن يوصل إلا باعتراف العرب وتبنيهم.

 ودعا بوشناف الأديب إلى ضرورة أن يشق طريقه بنفسه دون الالتفات للمركزية المشرقية مؤكدا على أن المبدع الليبي لن يكتب أدبا ولن ينتج فنا حقيقيا ما دام يحاول تكرار المشهد الأوروبي فالأجدر هو أن ينتج بناءً فنيا يحمل مضامين تعبر عن الهُوية الليبية وخصوصية مكوناتها الثقافية والتاريخية والاجتماعية.

جانب من الحوارية التكريمية للكاتب والأديب الليبي «منصور أبوشناف» وأدارها الشاعر والكاتب خالد درويش. (بلد الطيوب)
جانب من الحوارية التكريمية للكاتب والأديب الليبي «منصور أبوشناف» وأدارها الشاعر والكاتب خالد درويش. (بلد الطيوب)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
شاهد في هنا ليبيا: قصة فنان تشكيلي من تمسان
شاهد في هنا ليبيا: قصة فنان تشكيلي من تمسان
المغني كينجي.. «تظاهر بالانتحار» حبًّا لأسرته
المغني كينجي.. «تظاهر بالانتحار» حبًّا لأسرته
معرض يحتفي بالألوان ويوثق ذاكرة ألعابنا الشعبية
معرض يحتفي بالألوان ويوثق ذاكرة ألعابنا الشعبية
وفاة المخرج الفرنسي لوران كانتيه عن 63 سنة
وفاة المخرج الفرنسي لوران كانتيه عن 63 سنة
فوز آية ناكامورا بثلاث من جوائز «فلام» الموسيقية
فوز آية ناكامورا بثلاث من جوائز «فلام» الموسيقية
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم