Atwasat

انتصار بوراوي تكتب: رواية «أثر الغائبين».. سردية محاربة للسرطان

القاهرة - بوابة الوسط الإثنين 31 يوليو 2023, 07:05 مساء
WTV_Frequency

في قالب أدبي فني نتابع تفاصيل المرض الذى يخافه الكثيرون، ويرتعبون من مجرد ذكر اسمه (السرطان)، ذلك المرض المفترس الذى يحلّ بجسد الإنسان فجأة، فيزرع فيه ألماً فوق تحمل طاقة البشر، ولكن بالقوة والعزيمة يستطيع الإنسان محاربته.

فى روايتها الثانية «أثر الغائبين»، الصادرة عن دار السراج للنشر والتوزيع، والتي تأتي بعد روايتها الأولى «الساحر» الصادرة في العام 2012 عن دار الرواد. تسرد الروائية والصحفية نهلة العربي، سيرة الألم، حيث تعرض قصة معايشتها المرض الذى داهمها بغتة، وهز كيان أسرتها الصغيرة المكونة من زوجها وابنها «آدم»، الذى توجّه حديثها طوال الرواية التي جاءت بضمير المتكلم إليه، فتذكره بالاسم وتصرح من خلال روايتها بأن هذه الرواية موجهة إليه، كي يقرأها عندما يكبر، ليدرك تفاصيل معايشتها المرض، وتأثيره على علاقتها به وبوالده بكل شفافية، ودون مواربة، وبشجاعة سردية.

استوقفني عنوان الرواية الذي يعطى للغياب ملمحاً كبيراً، ولكن لا غياب لمن يمتلك القوة والشجاعة لرواية تفاصيل الوجع والألم، فالرواية هي أثرٌ باقٍ ضد شراسة المرض، وحضور وديمومة خالدة لا يفنيها مرض ولا غياب.

أسلوب السرد بضمير المتكلم
تذكر الروائية في بداية روايتها، عزمها على راوية سيرتها الذاتية مع المرض، والسيرة الذاتية كما يذكر الناقد (جيرارد جينيت) تحمل ثلاث سمات «مصير ذاتية حقيقية، وصيغية، وسرد استيعادي على لسان المتكلم»، وهذا ما نجده في رواية نهلة العربي التي تكتب روايتها بضمير المتكلم، وتستعيد عبر ضمير المتكلم تفاصيل حياتها مع المرض خلال المدة الزمنية التي كافحته فيها. ومن خلالها، تسرد بداية تكوّن المرض بجسدها، مخاطبة ابنها الصغير في بداية الفصل الأول قائلة: «لا أعلم بالتحديد متى بدأ الأمر، ومن غير المهم أن تعلم أنت أيضاً، المهم أن تعلم أنه بدأ فجأة دون أى مقدمات مثل انطلاقك من الميناء فى قارب صغير فى يوم مشمس جميل، وبعد التوغل لمسافة ليست بقريبة تغضب الطبيعة منك، ويتحول يومك المشمس إلى يوم عاصف ممطر يحمل أمواجاً غاضبةً تصفع قاربك الصغير دون رحمة».

تصور الروائية حلول الورم السرطاني كعاصفة قلبت حياتها رأساً على عقب، فبعد أن كانت تعيش حياة بسيطة هانئة، وتقضى يومها فى عملها الصحفي، وتعود لبيتها لقضاء شؤونها البيتية، ومشاركة زوجها وطفلها فى تفاصيل حياتهما اليومية، غيّر المرض مسار حياتها، وجعلها عاجزة عن الحركة لفترة، تجلس على كرسي متحرك، تحتاج لمساندة أختها وزوجة أخيها، وعون زوجها، ثم إجراؤها عديد العمليات في محاولة لإزالة الورم من رأسها، ودخولها مرحلة العلاج الكيماوي، ولكنها بعد فترة معاناتها مع العلاج الكيماوي قررت التوقف نهائياً عن العلاج، مع استعدادها لتحمل تبعات قرارها.

- نهلة العربي توثق «أثر الغائبين» في رواية جديدة

وتسرد الروائية تأثير العلاج الذي امتد لشهور على نفسيتها، وكان سبباً فى دخولها نوبات اكتئاب أثرت على علاقتها بزوجها وابنها، مما اضطرها للذهاب إلى بيت أهلها، ثم ذهابها لدكتورة نفسية للعلاج النفسي، ولكن الدواء النفسي كان له تأثير سيء على جسدها، مما جعلها تقرّر التخلي عن فكرة العلاج النفسي من الاكتئاب، وتصف حالتها مع الاكتئاب قائلة: «كان القدر متجهّم الوجه فى نظري، وظلت بداخلي رغبة في أن أرى يوماً ابتسامته. الاكتئاب كان كظلى. وعلى الرغم من اختفاء الظل فى العتمة، حتى في ظلام أفكاري، كان يتربص بي، ويدفعني لنوبات بكاء شديدة أفقد فيها القدرة على التوقف».

ولكنها بشجاعة تقرر العودة إلى بيت زوجها وطفلها، لاستعادة العلاقة التى أصابها التوتر نتيجة المرض والغياب، ولكنها تستغرب معاملتهما غير المفهومة معها نتيجة توترهما من تقلباتها النفسية التي ألحقها المرض بها.

تصف الكاتبة علاقتها بزوجها وابنها بعد عودتها لبيتها، وعملها الدؤوب على التوازن النفسي، كي يستمر الحب الذي جمعها بزوجها. وبعد جلسات مصارحة شجاعة وقوية، تستعيد علاقتها الجميلة به، ويحلّق الابن كما تصفه كنورس فى بيتهم الذي استعاد الحب والحنان نتيجة صبرها ومقاومتها المرض، وعدم استسلامها لقوته الضارية بجسدها وروحها ونفسيتها. وبمشاركة قصتها مع المصابات بالمرض، وتكوين مجموعة دعم نفسي لبعضهن عبر قناة في «يوتيوب»، أنشأتها من أجل سرد تفاصيل إصابتها بالمرض، استطاعت تخطي آثاره النفسية المدمرة.

سيرة روائية ملهمة لمحاربات السرطان
رواية نهلة العربى «أثر الغائبين» هي رواية مكتوبة بعمق القلب والروح عن قصة حقيقية لكاتبتها، وكان أسلوب السرد فيها بضمير المتكلم طيلة الرواية، وهو صوت البطلة التي التقطت كل التفاصيل والأحداث والشخوص، وروت قصتها بكل شفافية وشجاعة في رسالة روائية مستقبلية لطفلها الذي تحلم بأن يقرأ روايتها ذات يوم، وهي سيرة روائية ملهمة أيضاً لمحاربات السرطان اللواتي قد يجدن في الرواية الكثير من التفاصيل المتشابهة مع تجاربهن، فيستمدن منها القوة والصلابة، وهذا ما قالته بنفسها في حوار معها بخصوص الرواية حيث ذكرت أن «الغاية من كتابة الرواية، تقديم الدعم المعنوي للسيدات، خاصة اللواتي يعانين من السرطان».

وربما هذه المرة الأولى في تاريخ الرواية الليبية، التي تكتب فيها كاتبة روائية ليبية رواية عن تجربتها مع مرض السرطان بشجاعة وقوة ودون مواربة، في مواجهة مع المرض وجهاً لوجه عبر الكتابة التي تحمل فى وجه من وجوهها المتعددة نوعاً من الاستشفاء والعزاء لكاتبها ضد مِحن ونوائب الحياة والأقدار، وتعد علامة قوة في طريق الانتصار على المرض وآلام الحياة والأوجاع.

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
الأصفر يروي «سيرة الدوبلير» في آخر إصداراته الروائية
الأصفر يروي «سيرة الدوبلير» في آخر إصداراته الروائية
هنا ليبيا: مؤتمر التحركات البشرية وظاهرة الهجرات في ليبيا عبر العصور التاريخية
هنا ليبيا: مؤتمر التحركات البشرية وظاهرة الهجرات في ليبيا عبر ...
الفنان التشكيلي الروسي ألكسندر شيلوف
الفنان التشكيلي الروسي ألكسندر شيلوف
موسيقيتان تسعيان لتأليف موسيقى تنافس هيمنة الرجال
موسيقيتان تسعيان لتأليف موسيقى تنافس هيمنة الرجال
وفاة الشاعر السعودي بدر بن عبدالمحسن عن 75 عاماً
وفاة الشاعر السعودي بدر بن عبدالمحسن عن 75 عاماً
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم