Atwasat

«المعرفة الاستعمارية».. بين الجغرافيا والهوية في ليبيا ومحيطها

القاهرة - بوابة الوسط الجمعة 21 يوليو 2023, 09:44 صباحا
WTV_Frequency

يفضّل أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية الدكتور المولدي الأحمر استخدام مصطلح «الكولونيالي» عن «الاستعماري»، فالأول من وجهة نظره يحدد هدف المستعمر في تسخيره الموارد لمصلحته فقط، بينما تتسع دلالة الثاني في اشتماله على المعنى الإيجابي كتعمير الأرض مثلاً.

المولدي توقف، في ندوة حوارية حول كتاب «أعمال مؤتمر المعرفة الاستعمارية والهويات في البلاد المغاربية» التي نظمها مركز المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية الأربعاء، عند الخلفيات البحثية للفكرة، والجغرافيا المعرفية، وسياق انبثاق الفكرة في حد ذاتها.

وخلال كلمته، اعتبر أن «هناك ثلاث دوائر معرفية كانت الحاضنة انبثاق سؤال المعرفة الاستعمارية: الأولى هي دائرة لقائي بالمعرفة الكولونيالية، وفترة اشتغالي على التحولات المغاربية الضخمة التي أنهت ثنائية البدو والفلاحين في الأرياف المغاربية، ومما ترتب عنها على مستوى تشكل الظاهرة الاجتماعية، وفي مقدمتها الاقتصاد والثقافة، وبذلك التقيت هذه المعرفة وأنا أطرح أسئلة هذه التحولات، وقراءتي كانت مغاربية، حيث قرأت كثيراً عن المغرب وتونس وليبيا، ورافقتني هذه المعرفة في الأرشيف الفرنسي والإيطالي، وتقارير الضباط المستعمرين الذين جاءوا إلى بلادنا، وكذلك المذكرات التي كتبوها».

ببلوغرافيا قاصرة
يمضي المولدي موضحاً أنه عمل، بحسب تعبيره، «فوكس» على المنطقة المحيطة بصفاقس، مسنوداً بالأرشيف والببلوغرافيا، وقراءة حول المنطقة فيما يخص هذه التحولات، ووجد أن غالبيتها كتب باللغة الفرنسية، لأن الفرنسيين هم من جاءوا وغيّروا الواقع في الاتجاه الذي كانوا يريدونه كما فعلوا في الجزائر والمغرب وليبيا.

ويقول: «كانت عندي الببلوغرافيا العربية، لكنها مكتوبة بنصوص قصيرة وأدبيات قليلة الأهمية فيما يخص القضايا التي أبحث عنها، فمثلاً تجد سيرة سيدي فلان في مدينة صفاقس وغيرها، ولكن إجابة سؤال عن نهاية الرعي وظهور الزيتونة خلال 75 سنة يعني المرور من 280000 شجرة زيتون إلى ستة ملايين شجرة. ذلك قلب المنطقة رأساً على عقب، وهذه المعلومة المعرفية موجودة في الأرشيف الفرنسي».

ويلحظ المولدي الأحمر أن المعرفة المنتجة في السياق الاستعماري ليست كلها كولونيالية، فهناك باحثون تخرجوا في الجامعات الفرنسية، والأسئلة التي تقودهم غير تلك التي طرحتها الإدارة الاستعمارية. هؤلاء لديهم أسئلة احترافية، فهم جيولوجيون أو جغرافيون، لكنها نشأت في سياق كولونيالي.

ويدخل توصيف المولدي إلى الدائرة الثانية، وهي مشابهة للدائرة الأولى، ولكن بمجال الاهتمام يتعلق بليبيا، وأسئلتها تشكلت في الحقل التونسي، وتتعلق بالقبائل والدولة وغيرهما، وبينما واجهته صعوبة في إجراء عمل ميداني، إلا أنه درس الأرشيف الفرنسي والإيطالي والعثماني، بالإضافة إلى كتابات ليبية عديدة مهمة، وأصبحت لديه دوائر فهم وتصنيف مختلفة، كل من موقعه، وحسب الأهداف التي يراد الوصول إليها.

- للاطلاع على العدد 400 من جريدة «الوسط».. اضغط هنا

ويوضح أن خصومته مع الدائرتين «المغاربية والليبية»، والمقصود هنا قراءته النقدية على ضوء نقاش المجموعات العلمية حول هذه القضايا، أن تعريف الأشياء وترميزها في كونها عوالم اجتماعية يدخل في إنتاج الهويات الضيقة والواسعة في الوقت نفسه، وأبرز دليل على ذلك المقولة الفرنسية التي أثارت خلافاً حاداً مع الجزائر، ولا تزال ارتداداتها موجودة حتى الآن، وهي «وجدناكم ذرات مبعثرة، فصنعنا منكم كيانات»، ونعرف أن تصنيف وتسمية الأشياء يعتبر صناعة على ضوء المثل التونسي «من سماك أغناك»، أي أغناك بالمعنى المتخيل التي زرعه فيك عندما يسميك أو يصنفك، وعلى قياس تصنيف وتسمية المجموعات، فأنت تحدث بينهم متخيل انتمائي ومجموعة من العلاقات.

ويرى المولدي أن هذا الترميز خلق جداراً سميكاً، إذ لا يمكنك العودة إلى الحالة الأولى إلا عبر هذا الجدار. وبذلك، فإن المعرفة الكولونيالية ليست مجرد تسمية بل صناعة هويات ومجموعات، ويستشهد بما أنجزه الأديب الراحل خليفة التليسي في مقدمة أحد مؤلفاته بسبعينات القرن الماضي، واشتغاله على نقد متقدم جداً بالخصوص.

ويصل المولدي في تصوره المعرفي إلى الرؤية القائلة بتشبيه العالم كأحجار الفسيفساء تراها ممزقة إذا ما أطلقت عليها تسميات مختلفة، وتصبح شيئاً آخر تماماً إذا ما رميت عليها رداء الوحدة، وهذا الاستخلاص أدخله في الدائرة الثالثة التي تتعلق بكل التيارات البحثية والمعرفية المتناولة دراسات ما بعد الاستعمار، وكذا دراسات الهامش التي انطلقت من الهند وتطورت في أميركا، وفي هذا السياق ما قبله وما بعده، وصولاً إلى نقد الاستشراق المستمر إلى الآن، ثم نقد مفاهيم الكولونيالية بمدارسها المختلفة. هذه الدوائر حدثت لتقودنا الى سؤال المعرفة الاستعمارية.

وحول منجز الدراسات التي أعدها المركز الليبي للمحفوظات، أشار المحاضر إلى أنه من أكبر المؤسسات التي ترجمت الوثائق والتقارير الكولونيالية، لكن المفارقة في عدم وجود تفكير بالمعرفة الاستعمارية، إذ لا توجد وحدات بحثية تسبر القيمة البحثية والمنهجية لتلك المعرفة، ليظل نقد الدراسات الكولونيالية سطحيا لا يتعدى تثبيت أو نفي معلومة ما، والواجب يكون نقداً متسلحاً بمبادئ النقد الأبستمولوجي .

من جهته، أشار أستاذ التاريخ بجامعة طرابلس الدكتور الطيب البهلول إلى أن دراسة المعرفة الاستعمارية وتداعياتها على المجتمعات العربية عامة، والمغاربية خاصة، ونقدها أضحت ضرورة ملحة في زمن التفكك السياسي والضعف الاقتصادي والتردي الثقافي والمعرفي.

وأضاف أن المتتبع للأدبيات الاستعمارية المدونة يلحظ أنها مبنية على تقارير ومقالات أوجدها الرحالة والمخبرون والضباط والمستشرقون والأكاديميون الغربيون، ونفذها العسكريون ورجال الإدارة الاستعمارية. كما يتبين أن القوى الاستعمارية المختلفة اعتمدت مجموعة من الأساليب الخشنة والناعمة تتراوح بين العنف والإغراء، وهي محاولة كسب وجهاء القبائل أو بناء بعض المرافق.

ولفت البهلول إلى أن القوى الاستعمارية انتهجت أسلوب تشويه تاريخ الدول المغاربية أو طمسه، وإعادة صياغته بمنظورها الخاص، ونتج عن ذلك رسم صورة نمطية عن الإنسان المغاربي لا يزال يتكرر صداها في الأدبيات الغربية حتى اليوم. وفي المقابل، فإن الدراسات الاستعمارية شارك فيها أكاديميون عرب، ولكنها ظلت فردية. كما أن الجامعات العربية، على الرغم من كثرتها، تغيبت في وضع إطار معرفي لمشروع موحد يؤكد المشترك بين أبناء الدول المغاربية، ويحترم التنوع والاختلاف.

وعرض كل من الباحث خليفة الذويبي والدكتور مختار كرفاع في استنتاجاتهما ما خلصت إليه أعمال مؤتمر المعرفة الاستعمارية، وتباينت الملاحظات بين ما يتعلق بالمعرفة الاستعمارية وأهدافها، والأخرى المعنية بتحديدها، وإيجاد آليات وأساليب علمية لمواجهتها، وبين تلك المتعلقة بالأطر التنظيمية كآلية اختيار البحوث وغيرها.

من فعاليات ندوة حول كتاب «أعمال مؤتمر المعرفة الاستعمارية والهويات في البلاد المغاربية». (بوابة الوسط)
من فعاليات ندوة حول كتاب «أعمال مؤتمر المعرفة الاستعمارية والهويات في البلاد المغاربية». (بوابة الوسط)
من فعاليات ندوة حول كتاب «أعمال مؤتمر المعرفة الاستعمارية والهويات في البلاد المغاربية». (بوابة الوسط)
من فعاليات ندوة حول كتاب «أعمال مؤتمر المعرفة الاستعمارية والهويات في البلاد المغاربية». (بوابة الوسط)

المزيد من بوابة الوسط

تعليقات

عناوين ذات صلة
ألبوم «مرا» للتونسية آمال المثلوثي.. نسوي بالكامل
ألبوم «مرا» للتونسية آمال المثلوثي.. نسوي بالكامل
الفنانة الانطباعية ماري كاسات
الفنانة الانطباعية ماري كاسات
السينما السودانية تلفت الأنظار إلى الحرب المنسية
السينما السودانية تلفت الأنظار إلى الحرب المنسية
المتاحف الفرنسية تبحث في أصول قطع أثرية أفريقية نُهبت خلال مرحلة الاستعمار
المتاحف الفرنسية تبحث في أصول قطع أثرية أفريقية نُهبت خلال مرحلة ...
إطلاق اسم الفنان الجزائري إيدير على حديقة في باريس (فيديو)
إطلاق اسم الفنان الجزائري إيدير على حديقة في باريس (فيديو)
المزيد
الاكثر تفضيلا في هذا القسم