Atwasat

المتشابهان المتناقضان

محمد عقيلة العمامي الثلاثاء 08 مارس 2016, 09:48 صباحا
محمد عقيلة العمامي

سنة 1933 أسس الإعلامي الأمريكي ( ديفيد لورانس) الذي توفي سنة 1973- مجلة (United states News) وفي سنة 1946م أسس مجلة (World Reports) ثم وحدهما سنة 1948 في مجلة واحدة هي (report US. News & world) وصارت منافسة للمجلتين الأمريكيتين الشهيرتين (Time & World News) وإن ظلت محافظة أكثر منهما، وتركزت مواضيعها على الاقتصاد، الصحة، التعليم، الرياضة والترفيه.

أصبحت أرى السيارات اليابانية، ترابية اللون ذات الدفع الرباعي في كل مكان، وصار الناس يشاهدونها كلما غيروا قنوات تلفزيوناتهم، أكثر مما يرون المسلسلات الفكاهية وقصص الحب التركية. وتذكرت تحايل صديقي محمد السوسي، الذي كان وكيلا لهذه السيارات في ستينيات القرن الماضي، على أصحابه في طرابلس وبنغازي ليشتروا سيارة التويوتا بدلا من الفيات والفولكس. وكنت أسمعهم يقولون: "ياباني..ارخي!". فماذا حدث؟. كيف أصبحت التويوتا ذات الدفع الرباعي، مفضلة الآن أكثر من اللاندروفر الإنجليزية، أو الجيب الأمريكية للجيوش النظامية، والثوار، وأيضا الإرهابيين. والسيارات المصفحة اليابانية أيضا أصبحت هي المفضلة للقادة، وأيضا للصوص المال العام.

ولأن القفزة الاقتصادية العجيبة التي خلقها اليابانيون لبلدهم من بعد الحرب العالمية الثانية، وهم المهزومون، الذين تأذوا كثيرا من القنبلة الرهيبة التي أسقطها المنتصرون على هيروشيما، حيرت اقتصاديي العالم كلهم، فكتبت التحليلات والدراسات الأكاديمية والحقلية المعمقة، ولكنها لم تنجح في دفع سيارة أوربية واحدة تنافس سيارة ( الفجعة) ترابية اللون، وهي تكر وتفر في صحارى ليبيا، وجبال اليمن، وفيافي الشام.

بعد الحرب بسنوات سجلت بريطانيا معدلا قياسيا في الركود الاقتصادي، فيما زاد معدل النمو الاقتصادي في اليابان أكثر من 10%

وبالصدفة وقع في يدي تقرير كتب سنة 1968م في مجلة (ديفيد لورانس) التي أشرنا إليها في مطلع هذه المقالة والذي لا أدري إن كانت تجوز عليه الرحمة أم لا. أريد أن أنقل إليكم أهم ما جاء به، فقد تعينكم على إيجاد أجوبة للأسئلة التي بالتأكيد تحاصرني مثلما تحاصركم.

التقرير تأسس على مقارنة ما بين اقتصاد دولة منتصرة، وهي بريطانيا، ومهزومة وهي اليابان! يقول التقرير: تشابه وتباين مذهل ما بين دولتين كبيرتين قائمتين على مجموعة جزر، مساحتهما متقاربة جدا: بريطانيا 242440 كيلومتر مربع، يقطن فيها- عند صدور التقرير- 55 مليون نسمة، واليابان 369660 كيلومتر مربع، ويعيش فيها حوالي 98 مليون نسمة، وهكذا يعيش في بريطانيا، في المتر المربع 227 مواطن وفي اليابان 265 مواطن. البلدان يحتاجان أن ينتجا ويصدرا ليحصلا على ثمن غذائهما أو يموتا جوعا. فماذا حدث؟

بعد الحرب بسنوات سجلت بريطانيا معدلا قياسيا في الركود الاقتصادي، فيما زاد معدل النمو الاقتصادي في اليابان أكثر من 10% وقياسا لذلك تنبأ الاقتصاديون أن اليابان لو استمرت في تحقيق هذا المعدل سوف تسبق بريطانيا وتصير رابع قوة اقتصادية في العالم، بل وقد تصير بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، أي أنها سوف تسبق ألمانيا! وصارت اليابان هدفا للدراسة لمعرفة سر هذا التفوق السريع. فقيل أن اليابانيين:
- ركزوا في البداية على السلع الاستهلاكية كالمنسوجات، آلات التصوير، أجهزة الراديو، التلفزيون والترانسيستور.

- لم ينطلقوا نحو الصناعات الكيمائية، والسيارات والآليات الثقيلة، التي كانت بريطانيا تتزعمها إلاّ بعدما حققوا نموا وضمنوا غذاءهم. وبعدها اتجهوا إلى صناعة الصلب التي كانت عماد الصناعة البريطانية، ثم اتجهوا نحو صناعة بناء السفن فتفوقوا على بريطانيا وسبقوها.

- كانت صادرات بريطانيا للعالم 18% فيما كانت صادرات اليابان 6%، ولكنها قفزت سنة 1965 إلى 9.5% فيما هبطت صادرات بريطانيا إلى 13.6%.

- في سنة 1966م تجاوز إنتاج اليابان الكلي من المركبات مليوني سيارة، فصارت ثالث دولة في العالم منتجة للسيارات من بعد أمريكا وألمانيا. ولكن وبمشاهدة بسيطة لنشرات أخبار هذه الأيام قد نجزم أن سيارات الدفع الرباعي ترابية اللون وحدها تزيد عن المليونين بالتأكيد! وذلك يعني أنها صارت الأولى في إنتاج هذه السلعة.

دعونا نتعرف على أسباب معجزة هذا التفوق. "قيادو الأحوال" الاقتصادية يلخصونها بعد دراسات مستفيضة في الأسباب التالية:

- يضع اليابانيون شعارا بسيطا خلاصته: "ابحث عن الأفضل في العالم واعمل على تحسينه". فيما يقابل البريطانيون كل جديد بشك وريبة.

- أن مديري الشركات اليابانية أفضل تعليما. 80% منهم تعلموا في الجامعات فيما تعلم 36% فقط من مثيليهم البريطانيين ناهيك أن التعليم أفضل والتدريب أيضا.

- الاعتماد الكبير على العقول الآلية. مع اتجاه الطلبة نحو الصناعة، فيما يعزف طلبة أكسفورد مثلا عن التوجه نحو الصناعة، مرجعين ذلك إلى تأثير النظام الطبقي في بريطانيا. فالبريطانيين ما زالت عبارة" نحن وهم" لغة مسموعة ما بين المدراء والعمال!

- الضمانات التي تقدمها الشركات اليابانية لعمالها المبنية على أساس التعاقد مدى الحياة، لما نسبته 50% وهي نسبة المتميزين منهم، وتصل 90 % في الشركات الكبرى فهم بذلك أبعدوا شبح البطالة وتسريح العمال! ناهيك عن خدمات الرعاية الصحية وإعانات السكن وتوفير السلع التي ينتجونها بأسعار مخفضة جدا، كل ذلك جعل العمال لا يخشون تغول استخدام الآلة والحد من الأيدي البشرية.

- ما نسبته 70% من الطلبة اليابانيين يبقون في الدراسة حتى سن 18 سنه فيما يظل في بريطانيا ما نسبته 5% فقط! وبذلك يصل1 من كل7 إلى الدراسة الجامعية في سن الثامنة عشر، فيما تكون النسبة 1 من 24 عند البريطانيين.

أما الثوار فغالبا بملابس عسكرية، أما الزراعة، والصناعة فهي نخصصها كما قال طيب الذكر الحاج مصطفى عبد الجليل لنائب رئيس تحرير الأهرام سنخصصها لمصر!

قد تكون هذه النقاط أبرز ما لخصة البحاث، ولعلكم تتفقون معي أنه على الرغم من أن مساحة ليبيا 1.759.540 كيلومتر مربع، وتعداد سكانها 6.5 مليون نسمة- قبل 17 فبراير- وبالتالي يكون في الكيلو متر الواحد شخصان و"نص" وحوالي طن رصاص وعشر بنادق ويمكن دبابة.

وأننا "النص بالنص" متشابهان متناقضان؛ منتصر ومهزوم وأنهم إن لم يصدّروا سوف يموتون جوعا وأن في ليبيا دبابات إنجليزيه، وسيارات يابانية ترابية اللون، وكذلك المصفحة السوداء.

غير أننا نتفوق عليهم في أن نسبة الخرجين عالية جدا جدا، ونتميز أننا لا نجعل من الخرجين الجامعيين الليبيين مجرد عمال، ولكن نوابا في البرلمان، وفي المؤتمر الوطني العام، وصناع دستور و وزراء، وكذلك وكلاء وزارات، وسياسيين، ومحللين سياسيين، وضباطا وجنودا، ورجال دين بلحي ومن دونها، وجميعهم بربطات عنق.

أما الثوار فغالبا بملابس عسكرية، أما الزراعة، والصناعة فهي نخصصها، كما قال طيب الذكر الحاج مصطفى عبد الجليل لنائب رئيس تحرير الأهرام، سنخصصها لمصر!
حسنا.. هل تتوقعون نموا اقتصاديا؟ أم نترك الإجابة لقيادي الأحوال؟ أعتقد أن تركها لهم أريح.