Atwasat

عن الملوك الجدد

جمعة بوكليب الأربعاء 27 مارس 2024, 03:27 مساء
جمعة بوكليب

تغيُّرات الزمن أفضت إلى حدوث تغيُّرات في نوعية الأنظمة السياسية. البعض يسميها تطورات. ولا اختلاف على ذلك. لكني لاحظت، مثلاً، أن إطلاق صفة التطور قد لا تكون ملائمة دائماً لما حدث من تحولات في الأنظمة الملكية خصوصاً. وتبين لي أن مقولة «مات الملك عاش الملك» رغم قدمها، ما زالت سارية المفعول. ولذلك السبب، أفضل أن أطلق عليها صفة تغيُّرات وليس تطورات. وبالطبع، حق الآخرين في الاختلاف والاعتراض، مع وجهة نظري، مكفول ومضمون.

وللتوضيح، فقد لاحظت على سبيل المثال أن اختفاء الأنظمة الملكية أو أغلبها، حتى أضحت أقلية ضيئلة جداً، وحلول أنظمة أخرى بديلها، لا يعني أن الملوك اختفوا من عالمنا. وما حدث هو أن صفة الملك وصلاحياته، انتقلت من أبناء السلالات الملكية زرقاء الدماء، إلى أبناء عائلات أخرى غير زرقاء الدماء. ملك ملوك أفريقيا من ضمنهم.

ولتقريب المسألة إلى الأذهان، يمكننا الاستشهاد بملوك الصحافة والإعلام. فمن منا لم يسمع بالإيطالي الراحل بيرلسكوني المشهور بوصف (بونقا بونقا)، أو الأسترالي مردوخ. الأخير ما زال حياً يرزق، ومتوجاً على عرش مملكة إعلامية عابرة للحدود. على أبوابه يقف رؤساء دول وحكومات في انتظار أن يحظوا بلقاء معه، متمنين أن يخرجوا من مكتبه محاطين برضاه.

وبدلاً من القادة والجيوش والمدافع، امتلك الملك الجديد مردوخ جيوشاً جرارة من صحفيين وكتَّاب وصحف ومجلات وقنوات تلفزيونية، وبأسلحة أشد فتكاً من قنابل المدافع، وأوسع تأثيراً. والأهم من ذلك، أن الملوك الجدد، ليس بوسع أحد خلعهم. بل العكس هو الصحيح. رئيس الحكومة البريطانية الأسبق السير توني بلير، لم يضع قدماً في 10 داوننج ستريت، قبل أن يحظى بموافقة الملك مردوخ ورضاه. والنتيجة، أن مردوخ عقب ذلك اللقاء، أصدر تعليماته لقادة جيوشه في أكبر الصحف والمحطات التلفزيونية بالتحرك. فتلاشى حزب المحافظين البريطاني في براري النسيان من العام 1997 إلى العام 2010. وهناك أمثلة أخرى كثيرة.

وما ينطبق على الملك غير المتوج مردوخ يطال آخرين في مجالات مختلفة. والمعنى أن ملوك وملكات هذا الزمن يختلفون عمن سبقوهم، وبصلاحيات ونفوذ وجيوش أكثر قوة وأعظم نفوذاً، ويحركون العالم من مكاتبهم، بأزرار، من دون مشقة ولا تعب.

وهذا بدوره يفضي بنا إلى الملك غير المتوج في ليبيا، والذي يمسك بيد بمفاتيح خزائن المال، وباليد الأخرى يحرك كل البلاد من حوله كيفما يشاء ومتى يشاء. ورئيس الحكومة الذي لا ينفذ تعليماته يتلاشى سريعاً هو وحكومته في النسيان.

الألعاب النارية الحارقة، التي أطلقها جلالته في الآونة الأخيرة من قصره على شاطئ البحر في الصراع الناشب بينه وبين رئيس الحكومة في طرابلس ليست جديدة. ويبدو أن جلالته، في سبيل إخضاع وتركيع السيد عبد الحميد الدبيبة لمشيئته الملكية، لجأ إلى لعبته المفضلة: «السنوكر-Snooker». وكما فعل مع من سبقوه، وضع السيد الدبيبة في وضعية «سنوكرية» لا يحسده عليها إبليس.

رؤساء الحكومات، ممن عرفنا في السنوات الأخيرة، وحتى أيام الحكم العسكري، كانوا، في أغلب الأحيان، نسخاً في آلة نسخ استنسل، في القصر الملكي، أو في الخيمة. ويحدث نادراً أن يخرجوا عن المواصفات والقوالب المرسومة. وقد يحدث في أحيان نادرة، أن أحدهم يبدي شيئاً من مقاومة، ويتردد في المغادرة. لكن أمر السيد الدبيبة ليس باعثاً على حيرة ملك بتجربة وخبرة ودهاء ومكر صاحب الجلالة محافظ مصرف ليبيا المركزي.

فهو، كما نعرف جميعاً، محاط بجيش من المستشارين. إذ بمجرد التعبير عن رغبته في التخلص من خصم، يبدأ عملهم المعتاد في حلحلة الخصم، بنصب الفخ المعتاد وتضييق الدائرة على الفريسة، ولا يتركون لها سوى طريق واحدة تقود إلى الفخ المنصوب. وخلال تلك الفترة، تنقلب سوق العُملة رأساً على عقب، ويركبها ألف جن وعفريت، ويعتلي الدولار أعلى خيله، ويشتد صراخ الناس من شدة حرارة نيران الغلاء، كما هو الحال الآن.

لنأمل أن رئيس الحكومة في طرابلس، يحتكم للعقل والمنطق، ولا يطيل التخندق في مكتبه بطريق السكة، في مقاومة لا فائدة منها. ونتمنى عليه إما أن يبلع كبرياءه، ويسارع بالذهاب إلى القصر الملكي، وتقديم الاعتذار لصاحب الجلالة وإصلاح ذات البين، ويا دار ما دخلك شر، أو أن يسارع بتجميع أوراقه ومستشاريه والمغادرة. لأن حرارة النيران المشتعلة حالياً من شدة ارتفاع الأسعار وغضب العباد ليس من المستبعد تحولها قريباً إلى انفجار. لا سمح الله.