Atwasat

قادة المستقبل

محمد عقيلة العمامي الإثنين 25 مارس 2024, 08:34 مساء
محمد عقيلة العمامي

سألني صديق: كيف يقول لصديقته الإنجليزية أنها «سقطت من عينيه»؟ وهذا القول مجاز عربي صحيح، ففي معاجم اللغة يعني: (فَقَدَ احْتِرَامَهُ وَمَكَانَتَه) ولكن في العموم يستعمله العامة، ولا يوجد نص صريح بالوصف نفسه في اللغة الإنجليزية. ولكن بمقدورنا أن نجد تفسيرا لمعناه، فالخذلان هو المقصود بالسقوط من العين، فنستطيع أن نقول: (You have failed me) أو (You let me down) أما إن كان الخذلان قاسيا جدا، فقد يقال: (You are dead to me) ولأن الخذلان في الغالب لا يزعج إلا إذا جاءك من قريب، فلا أعتقد أن محبا يستطيع تحت الظروف كلها أن يستخدم هذا المصطلح التافه! ومهما تختلف الكلمات، وأيضا المعنى، إلا أنه يظل متشابها بيننا، وبين من انتقينا منهم موضوعنا الأساسي، الذي يتلخص في شكوى الصغار من الكبار، وكيفما تختلف الكلمات أو التشبيهات يظل المعنى واحدا.

لقد انتقيت هذه الفقرة مدخلا لموضوع ثان لا علاقة له بالمعنى، أو بالمعاني التي أوردتها معاجم اللغة، فالمعنى يكون متوافقا في لغتين، في الغالب، بكلمات أو تعريفات أو ليس متوافقا تماما، ولكن النتيجة واحدة.

موضوعي أساسا خلاصته شكوى أطفال الغربيين من سلوك ذويهم تجاههم. فكرة المقال، إذن، أنه قلما يستمع الكبار إليهم، فهم صغار وعليهم أن يسمعوا ويطيعوا، في حين أن الكبار يقومون بما يريدون من دون رقيب حقيقي عليهم! قرأت هذا المقال الظريف، لبساطته وكذلك أهميته؛ لقد ابتدعته كاتبة مغمورة رأت أن تكتبه من خلال رؤية طفولية، فاستهلت موضوعها برأي منطقي يقول: «إنه كما يشكو الكبار من الصغار، فإن الصغار يشكون أيضا من الكبار..»، وسبب شكواهم في الغالب، هو تساؤلهم عما أصاب ذويهم الأقوياء القادرين على فعل وتحقيق أي شيء، فأحيانا تتبدل طباعهم، ويقسون عليهم، بل يقفون بينهم وبين رغباتهم الطفولية... فانتقت حزمة من هذه الشكاوى التي تقلق الأطفال، وانتقينا بدورنا عددا منها، هو ما رأيناه يتوافق مع عدد من تساؤلات تتشابه مع ما نسمعها، من أطفالنا بين حين وآخر، خلاصتها كالتالي:

كثيرا ما يعد الكبار بتقديم، أو فعل أي شيء ثم ينسون، أو يتناسون وعودهم! مبررين ذلك بسبب مشاغلهم، أو أنهم نسوا هذه الوعود، ولا يغفرون للأطفال إن نسوا وعودهم، أو واجباتهم المدرسية لسبب ما، ويقدحون في لومهم، أو قد يصل الأمر حد العقاب! ويؤكد الأطفال، أنهم لم يسمعوا أبدا أن أحد الكبار عوقب لأنه أخلف وعده! وينسى الكبار، أو يتناسون، القيام بالأمور اليومية الحياتية، ولا يغفرون لنا نحن الأطفال أن لهونا أو سهونا عما وعدناهم بتنفيذه.

يقول الأطفال أن الكبار يطلبون منا ترتيب أشيائنا في غرفنا، والعناية بها، وبالنظافة، وقول الصدق، ولكنهم لا ينفذون ذاك أبدا، وإن نفذوه لا ينجزونه كما ينبغي، ويطلبون منا قول الصدق وكثير منهم لا يقومون بذلك.

ويتفق الأطفال على أن الكبار لا يتركونهم يرتدون ما يريدون من ثياب، ولا حتى يسألونهم فيما يجب أن يرتدوه، في حين أنهم يرتدون أحيانا ملابس مضحكة، ولا تتناسب، مثلا، مع الطقس البارد كما يفعلون لنا.

لا يصغى الكبار لما يريد الأطفال قوله، بل يقررون لهم ما يجب أن يقال؟ والكبار يرتكبون الأخطاء، ولكنهم لا يعترفون بها، بل كثيرا ما يزعمون أنها ليست أخطاء، أو أن غيرهم قد ارتكبها. والعجيب أن الكبار يقاطعون الأطفال أثناء حديثهم، وينهرونهم، حد الجزر، عندما يقاطعونهم!

لا يدرك الكبار مدى رغبة الأطفال في شيء معين، أو شكله أو تصميمه أو لونه، وينتقدونه ويأمرونهم بتركه حتى لو أنهم ابتاعوه بنقودهم. ويعاقب الكبار الصغار، أحيانا بطريقة ظالمة، وأحيانا بسبب خطأ تافه صغير، يحرمونك من شيء عظيم الأهمية بالنسبة لك. وكثيرا ما يتعمدون أن يعاقبوك جراء فعل لا يقبلونه ولكنهم ينسون ذلك، ويكثر الكبار من الحديث عن الفواتير والإنفاق والمال إلى درجة تثير الرعب والخوف مما سيحدث لنا نحن الأطفال، وفي الغالب يبالغون في أهمية المال حتى نشعر وكأنه أهم شيء في العالم.

وكثيرا ما نثرثر نحن الأطفال، فينهروننا، عن كلمات تعلمناها منهم، فيصفوننا بأننا لسنا مؤدبين. وكثيرا ما يدس الكبار أنوفهم في أسرار الأطفال ظنا منهم أن ما نقوم به شيء رديء، ولا يخطر ببالهم أن نتائج هذه الأمور قد تتخلق منها مفاجأة لطيفة.

والمشكلة أنهم يتباهون بما فعلوه عندما كانوا في العاشرة من أعمارهم، من دون أن ينتبهوا إلى أن عقلية الأطفال ومسببات التعلم تختلف عما كانت في عصرهم، فما يعتقدون أنه عمل خارق، أصبح في متناول الطفل بزر في حجم إصبع سبابة الطفل!

قد يبدو الموضوع بسيطا حد الهدوء، ولكن رأي هؤلاء الأطفال، يعني رأي مديري المستقبل وقادته، أليس من الضرورة أن ننتبه إلى ذلك، وأن نسمعهم ونجعلهم يسمعوننا حتى يتعودوا على أن الحياة أن تقول، وأن تسمع أيضا.