Atwasat

ليس الفتى من يقول كان أبي

أمين مازن الأحد 24 مارس 2024, 10:06 مساء
أمين مازن

اختار المثقف الوطني والاختصاصي القانوني المحامي جمعة عتيقة ما دعاه البعض بالعودة إلى الملكية موضوعا لمحاضرته التي شارك بها في الموسم الثقافي الرمضاني لحزب «الازدهار»، مستعرضا التجربة الملكية التي ارتبطت بدولة الاستقلال التي اعتلى عرشها الملك إدريس السنوسي طوال الفترة التي بدأت بالعام الثاني والخمسين من القرن الماضي، وانتهت في صباح الأول من سبتمبر 69، عندما أذيع أول بيان عسكري أُعلن فيه إسقاط النظام الملكي وحلول الجمهورية، لتُسمى ليبيا «الجمهورية العربية الليبية»، وسط ترحيب شعبي لا يشكك في حقيقته إلا ممارٍ، رافقه تسابق دولي لافت حمل الاعتراف، تقدمته أمريكا وبريطانيا، واكتفى عقبه الملك إدريس، المقيم بين تركيا واليونان، بطلب سلامة ابنته بالتبني «سُليمى»، وزوجها «مروان»، مستعينا بالرئيس عبدالناصر، وواعدا بعدم القيام بأي نشاط يعوق العهد الجديد، كما عبّر.

وقد حصر المحاضر قيام النظام الملكي، وبالأحرى أقوى أسبابه، في بريطانيا التي احتلت ليبيا خلال الحرب التي عُقِدَ في أثنائها تحالف بينها وبين السيد إدريس، كوّنَ فيه جيشا شارك به البريطانيون في معاركهم، دون أن ينفي الدور التاريخي للسنوسيين، وثقلهم الكبير في برقة ومناطق غير قليلة في غرب ليبيا وجنوبها.

حتى إذا ما تجاوز الليل نصفه، فضّل أن يفسح المجال للصالة، كي يدلي عدد من الموجودين بما لديه، ليتاح لي قول ما مجمله أن بيعة السيد إدريس تعود إلى العشرينيات من القرن الماضي عندما أبرم أكثر من صلح أملاه سأم السكان من الحرب، وتوالي سنوات الجفاف، مما أدى إلى الاعتراف به أميرا على برقة.

ولتزامن ذلك مع فشل هيئة الإصلاح المركزية وإعلان الجمهورية الطرابلسية، تبلورت أمام مجاهدي طرابلس وبقية مدن الغرب والوسط والجنوب، ممن كانوا جميعا متقدمين مناطقهم كمديرين ومشايخ، فكرة مؤتمر غريان الذي انتهى إلى مبايعة السيد إدريس، وإرسال وفد بوثيقة حملها من تقدمهم: السعداوي والطاهر الزاوي، وممن عرضوا، كما يقول الرواة، على الرجل قيادة الأعمال العسكرية أو توسيع الصلح، ليشمل غرب البلاد، فلم يرفض، إلا أنه آثر فكرة الهجرة للإقامة بمصر بما قد يوصف بـ«استراحة المحارب»، والتواصل مع كل من شاركه اهتمامه والتعاطي معه.

فإذا ما انفجرت الحرب العالمية الثانية، وعرض الإنجليز المشاركة في تشكيل الجيش المشارك، اشترط البعض تسيير الأمر بمجلس استشاري، حُدِّدَ عدده في اثني عشر، ستة من الشرق ومثلهم من الغرب، وكان ضمن الممثلين الستة للغرب السيد عبد الجليل سيف النصر، الذي يعتبر في الاصطفافات السياسية خارج غرب البلاد، فرؤي أن ذلك نزوع لإنقاص أصوات الجهات الغربية، وبداية ما يمكن وصفه بـ«التحايل»، كما ذُكِرَ في حينه. كما أن التواصل مع الإنجليز لم يكن محصورا في السيد إدريس. ففي الوثائق التي تُرجمت كاملة فيما يزيد على تسعمائة صفحة، نصفها لبرقة والثاني لطرابلس، ما يؤكد اتصال قيادات غرب البلاد بالإنجليز منذ العام الثاني والأربعين بعد التسعمائة والألف.

كما أن عودة السعداوي قبل توقيع الصلح بين المتحاربين تحمل ما يدل على تفضيله التعاون مع بريطانيا على سواها، بما في ذلك الوصاية على ليبيا.

وبالجملة، فإن الاستقلال ولادته بريطانية، وهو توجه لا مفر منه ولا أفضل. ومع التسليم بأن السياسة هي «فن الممكن»، يظل السيد إدريس أهم مجايليه، وأجدرهم بما بلغ، وخير شاهد له كتاب «حقيقة إدريس»، الصادر عقب سبتمبر 69 من طرف النظام قصد الإدانة، فجاء بأحسن الدفاع كما قلنا لمن طلب الرأي في موقعه شبه القيادي، فزكّى ما ذكرنا في الأشهر التي سبقت السابع عشر من فبراير 2011.

ونختم بصدد الدعوة إلى الملكية، فنقول إذا كان أهلنا يقولون في أمثالهم «عد رجالك ورد الماء»، فليفتح دُعاة الملكية منصتهم لتدوين آراء الناس، واعتبارها تزكيات للترشح لرئاسة ليبيا، وليطرح محمد الحسن الرضا رؤيته لخروج البلاد من محنتها في برنامج مكتوب، يمكن الاحتكام إليه سلفا. وأخيرا، لله در القائل: «إِنَّ الْـفَـتَـى مَـنْ يَـقُـولُ هَا أَنَا ذَا.. لَـيْـسَ الْفَتَى مَنْ يَقُولُ كَانَ أَبِي».