Atwasat

السيادة في الملاعب

جمعة بوكليب الأربعاء 20 مارس 2024, 10:46 مساء
جمعة بوكليب

المقصود بالملاعب في العنوان أعلاه، ملاعب كرة القدم. ولعبة كرة القدم اليوم غير ما كانت عليه بالأمس. والسبب: تغيير أو تعديل القوانين، أو إضافة أخرى جديدة. قانون الفار على سبيل المثال، آخر المستجدات.

(فار-VAR) هي مفردة أخرى، إلى حد الآن، حسب علمي أضيفت حديثاً إلى المعجم اللغوي للعبة كرة القدم. المصطلح إنجليزي، اختصاراً للكلمة (Video Assistance Referee) وتعني «مساعدة الفيديو للحكم».

وتهمنا الإشارة إلى حقيقة أن «الفار» ليس اختراعاً جديداً. إذ قبل أن تقرر الرابطة الدولية لكرة القدم المعروفة دولياً اختصاراً باسم «فيفا» استخدامه في مبارايات كرة القدم، استُخدم «الفار» في لعبة الرجبي-Rugby. وعلى عكس ما يحدث في ملاعب كرة القدم، تُجرى الحوارات في ملاعب الرجبي علناً بين الحكم والهيئة المساعدة المشرفة على المراقبة بالفيديو كلما حدثت مشكلة أثناء اللعب. تلك الحوارات يسمعها اللاعبون والجمهور معاً. في كرة القدم ظلت، حتى الآن، المحادثة سرية بين الحكم في الملعب ومساعديه في غرفة المراقبة.

وأذكر أنه بعد الخطأ الذي وقعت فيه غرفة المراقبة خلال مباراة في الدوري الإنجليزي هذا العام بين فريقي ليفربول وتوتنهام، بعدم تصحيح خطأ وقع فيه الحكم، عندما ألغى هدفا صحيحاً لصالح ليفربول. اعتبر الأمر فضيحة، وأثار زوبعة في وسائل الإعلام، وطالب كثيرون بضرورة أن تكون الحوارات بين الغرفة والحكم علانية كما في لعبة الرجبي، ضماناً للشفافية.

وكالعادة في استقبال كل اختراع جديد، انقسم عشاق المستديرة قسمين. محبذون للإضافة الجديدة وكارهون لها. ولكل فريق حججه وبراهينه. لكن «الفار» وجد ليبقى، وفرض نفسه، وصار حقيقة واقعة. بل وأثبت أنه إضافة مهمة للعبة، وذلك بقطعه الطريق على كل من يحاول الغش. وأيضاً، وهو المهم، تصحيح أخطاء التحكيم. وهذا لا يعني أن «الفار» لا يخلو من إشكالات. لكنها، رغم وجودها، تعد قليلة لدى المقارنة بما كان يحدث من كوارث في اللعبة من دونه.

ولأنني شخصياً من عشاق كرة القدم، حاولت قدر الإمكان الإحاطة بالنقاش الدائر حول الفار لفهم ما يدور في أذهان المراقبين أو المعارضين. وبدوري سعيت إلى تقديمه إلى القراء.

وتبين لي أن هناك أسئلة كثيرة تدعو حقاً للقلق، وفي حاجة ملحة إلى توضيح. أهمها وفي مقدمتها، خوفهم من فقدان الحكم سلطتَه، وانتقالها إلى من يتولون إدارة غرفة المراقبة.

فهم يرون أن مشكلة الفار ليست في التكنولوجيا التي من الممكن أن تخطيء حسب زعمهم. وليس في من يديرون عمليات الفار في غرف مغلقة، وهم بشر مثلنا يخطئون ويصيبون. بل في نوعية العلاقة التي ستنشأ مستقبلاً بين الفار وبين حكم المباراة. ويقولون إن قانون كرة القدم منح الحكم السيادة المطلقة أثناء إدارة المباراة. وتقتصر مهمة الفار على مساعدة الحكم، في حالة أن الحكم طلب أو احتاج مساعدته لدى حدوث خطأ تحكيمي يتطلب التصحيح.

ويضيفون أن هناك خوفاً من تغير المعادلة بفقدان الحكم للسيادة، وانتقالها للفار. بمعنى أن الفار يصير الحكم. ويستشهدون على ذلك بقولهم إن قناة «سكاي سبورت» التلفزيونية في بريطانيا، ذكرت أن حكام المباريات في الدوري الإنجليزي «البريمييرليغ» نُصحوا من قبل غرفة المراقبة بضرورة مراجعة الشاشة (Monitor) عدد 54 مرة من مجموع 55 مباراة!

الحوار حول الخلافات لم يصل بعد إلى مرفأ أخير وآمن. وما زال متواصلاً. وربما ينتبه المسؤولون في «الفيفا» إلى هذه التساؤلات، ويعملون من جانبهم على حفظ التوازن في العلاقة بين الاثنين: الحكم والفار.

تمنيت، من كل قلبي، لو أن الله القدير يهدي بحكمته أهل الاختصاص في التكنولوجيا والابتكار إلى التفكير في ابتكار اختراع تكنولوجي مشابه للفار في كرة القدم وكرة الرجبي، لكن لتصحيح أخطاء البشر. بحيث يكون بإمكان المرء منا مستقبلاً، مراجعة كل قرارته اليومية، أولاً بأول، ما صغر منها وما كبر، على شاشة تلفزيونية، والتأكد من أنه لم يضل الطريق. وتصحيح ما ثبت له خطؤه.