Atwasat

مسرح لندني يثير زوبعة

جمعة بوكليب الأربعاء 06 مارس 2024, 07:14 مساء
جمعة بوكليب

هل لندن مدينةٌ غريبة؟ سؤالٌ ربما يستقطب اهتمام عديدين.

الغرابة المقصودة قد تعني في أذهان البعض منّا الاختلاف، وربما تعني في أذهان آخرين الشذوذ. وقد لا تكون هذه ولا تلك لدى البعض، انطلاقًا من حقيقة معروفة، وهي أن المدن في عالمنا، خصوصًا الكبرى منها، مختلفة، ولا تنقصها الغرابة أو الشذوذ. ويظل واقعيًا أن لكل مدينة خصوصيتها، التي تميزها عن غيرها. وربما لهذا السبب، كان من الأنسب، في رأيي، لو أننا غيّرنا من صيغة السؤال أعلاه، ليصير كالتالي: هل لندن مدينة متميّزة؟

تميّز لندن يمكن للزائر للمدينة، أو للمقيم بها، رصده في أشياء وظواهر كثيرة. وفي ذات الوقت، لا يعني أن كل ما يرصده يستحق إعجابه، أو يلفت انتباهه. إذ إن ما يستحق إعجابه قد يثير الحنق وربما الاشمئزاز لدى آخرين. أي أن المسألة نسبية، وتتوقف على عقلية الشخص، وكيف يرى العالم ويتعامل مع الحياة. وبالتأكيد، بعض ذلك التميّز المقصود قد يكون مثيرًا للدهشة. وهناك كذلك ما يثير الحيرة، ويستقطب السؤال. ولعل الأخير منها بالذات، هو ما شعرت به مؤخرًا لدى قراءتي مؤخرًا، في إحدى الصحف البريطانية القومية، خبرًا لافتًا لاهتمامي.

الخبر المقصود يتعلق بالمسرح أستاذ الشعوب. وعلاقة مدينة لندن بالفن المسرحي وبالمسارح لا أعتقد أنها في حاجة إلى تذكير منّي أو تنويه وتوضيح. وإذا كان الخبر المعني قد أثار حيرتي، وربما دهشتي كذلك، فإنه من ناحية أخرى أثار زوبعة سياسية تحت قبة البرلمان البريطاني، ووصل به الأمر إلى مكتب رئيس الحكومة البريطانية.

الخبر المعني يقول إن إدارة فرقة مسرحية في منطقة «الويست إند» أرض المسارح في لندن، قررت منع جمهور المسرح من ذوي البشرة البيضاء من حضور عرضين مسرحيين في شهر يوليو وسبتمبر القادمين، بتخصيصهما لجمهور من ذوي البشرة الملونة والسوداء فقط. ويتم ذلك عمليًا بقفل شباك التذاكر في اليومين المذكورين، وقبلهما بتوجيه دعوات إلى أشخاص ملونين وسود منعًا لإحراج الجمهور الأبيض، الذي يحتمل تواجده بالقرب خلال اليومين المذكورين أعلاه. وللتوضيح، فإن المسرحية ذات الصلة، اسمها باللغة الإنجليزية: «Slave Play» من تأليف كاتب مسرحي أمريكي، أسود لون البشرة، وعرضت على مسارح نيويورك، وفازت بجوائز عديدة. كما تم تخصيص عرض أو أكثر في نيويورك للسود فقط. بمعنى أن التجربة أمريكية الأصل، ونقلت إلى لندن. أضف إلى ذلك، استنادًا إلى الخبر في الجريدة، أن بعض الفرق المسرحية اللندنية، خارج منطقة الويست إند، ممن تحظى بدعم مالي من خزينة الدولة، قامت بتفعيل التجربة على مسارحها، وقدمت عروضًا للمسرحية خصصت منها عرضًا أو اثنين لذوي البشرة الملونة والسوداء. وهذه المرّة الأولى التي يقوم فيها أحد مسارح منطقة «الويست إند» بنقل التجربة، أي تقديم عرضين مخصصين لجمهور من الأقلية الملونة والسوداء فقط. الغرض من ذلك، تقول إدارة المسرح، إنها تود تشجيع الأقليات الملونة والسوداء على ارتياد المسرح، كونه محتكرًا من جمهور أبيض، وأيضًا لكي يحظى الجمهور أسود اللون، بفرصة لمشاهدة المسرحية والنقاش حولها، من دون التعرض لمحنة تحديق (تفنيص) البيض. باعتبار أن وجود الملونين في مسرح أمر غير مألوف كثيرًا.

قرار إدارة المسرح وجد طريقه إلى وسائل الإعلام، ومنها انتقل إلى أروقة البرلمان، حيث أبدى نواب الحزب الحاكم من المحافظين استياءهم من القرار، بقولهم إنه يتعارض ومبدأ التعددية العرقية والثقافية والدينية السائدة في بريطانيا. ووصل الاستياء إلى مكتب رئيس الحكومة السيد ريشي سوناك، الذي حرص بدوره على التأكيد بأنه شخصيًا يعارض القرار كونه لا يتسق والمجتمع التعددي، وصادرًا عن إدارة مسرح يتلقى دعمًا ماليًا من خزينة الدولة، أي من جيوب دافعي الضرائب من كل الألوان والأعراق في المجتمع.
الملاحظة التي أود تسجيلها في هذا السياق هو أنه من الصحيح أن الأقليات الملونة والسوداء في بريطانيا لا ترتاد المسارح لدى المقارنة بالبيض، لكن هذا لا يعني أن الطبقة الفقيرة والمهمشة من البيض ترتاد المسارح أيضًا. وأن هناك فئات من الأقلية الملونة والسوداء من ميسوري الحال ماليًا، يرتادون المسارح بانتظام. وبالتالي، فإن الحرمان من ارتياد المسارح يشمل الفئات الفقيرة من جميع الألوان والأعراق. وفي رأيي الشخصي، كان أجدى وأفضل، لو خصص العرضان المسرحيان لجمهور من أبناء الفئات الفقيرة والمهمّشة في لندن، من البيض والملونين والسود على السواء، لتحقيق نفس الهدف.