Atwasat

الجنرال رمضان!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 05 مارس 2024, 02:18 مساء
أحمد الفيتوري

«جو بايدن»، الصهيوني، الرئيس المؤمن، بات أيضًا يؤمن بالأشهر الحرم، لهذا شده عزم أن يجعل من «رمضان» جنرال هدنة، وقد مهد لذلك برمي صدقة آخر شعبان، من طائراته التي تدك غزة بالقنابل ما لا مثيل لها، هذه الطائرات اليوم ترمي من الفضاء بالمن والسلوى.

هذا ذكرني بذكرى سيئة تعسفية مماثلة لكنها شخصية، ففي سجن «بورتا بونيتو» بطرابلس في ثمانينيات القرن المنصرم، أذاقنا جند العقيد القذافي الشر، حتى إني سقطت مغمىً عليَّ من الجوع، ما حصل مع غيري من زملاء السجن، وقد أخذنا نفتش في كناسة السجن وأكلنا الأعشاب. كان الجنرال رمضان يدق أبواب الأيام الغبر، وإذا بآمر السجن يسمح بالزيارة، ومن ثم تمكن بعض أهل السجناء من توصيل شيء من المؤن، حتى إن أحدهم من لا خبرة له جلب لحمًا نيئًا، في ذلك السجن ليس بالمستطاع إشعال سيجارة وليس إشعال نار، لكن المستغرب سماح الآمر بإدخال ذلك وغيره كالفواكه.

انقلب السجن في سحر هذه الواقعة المفارقة، فاتخذوا سبلًا للتفسير من المنهج الهرمينوطيقي (التأويلي) حتى ضرب الودع، أحدهم تفتق ذهنه عن مخرج مفاده أن «الأخ العقيد معمر القذافي» قد رأى رؤية، مضمونها دفعه إلى الحلم بالسجناء في أيام رمضان، فعقد العقيد العزم على هدنة رمضانية.

«جو بايدن» الرئيس المؤمن، المؤمن بأن لو لم تكن إسرائيل، لعمل من أجل أن تكون إسرائيل، باعتبارها المدماك المتقدم لقوة أمريكا في الشرق الأوسط قلب العالم. «جو» يؤمن أيضًا أن الديمقراطية هشة، لذا لابد أن يكون لها أنياب خارجية، حتى تتوازن في الداخل.

التراث الإمبريالي لـ«العم سام» خوض الحروب لتقوية جسد الولايات المتحدة الهش، ولمواجهة هذه الهشاشة الممثلة في الانقسام، ما برزت مخالبه في الانتخابات السالفة التي جلبت «جو» الوهن إلى سدة الرئاسة، ما بين أن الولايات نصفها على الأقل من اليمين المتطرف، الذين من الممكن أن يرجحوا كفة «ترامب» في حلبة الجولة الثانية كمرشح. «جو» يريد قضمة ممن ينهشون الديمقراطية الهشة «اليمين المتطرف»، ولهذا، خاصة بعد مشهد الهروب من أفغانستان المزري، دخل في معارك باعتباره جنرال حرب في أوكرانيا، مع استعصاء المعارك هناك جاءت حرب غزة، لهذا هرول كحامٍ للوجود الصهيوني المهدد دائمًا، وهو يخوض في غزة ما استعصى في أوكرانيا.

ساحة غزة منحت «جو» حربًا باردة في جبهة أوكرانيا، فانسحاب تكتيكي من «تايبيه» والحرب التجارية الصينية مع استبعاد بعبع «كيم»، وقد تمكن من انتزاع تحالف غربي ثم دولي وإقليمي في حربه هذه. «جو» اعتبر أن المعركة السهلة ستقويه في الداخل وتقلل من أعبائه الخارجية، ومن هذا تصور أن حرب إبادة ستمحق المسألة الفلسطينية، ما أثقلت كتف الأمم المتحدة لقرن تقريبًا، وبذا ينتزع «صفقة ترامب» ويريح ضمير العالم من صداع لا داعي له، وكان زاده من التراث الأمريكي ثمينًا كهيروشيما، فدخل على عجل الملعب ليرد الصاع حاسمًا لـ«صفعة حماس».

وثمة دافع مسكوت عنه هو إنهاء مسألة «الإرهاب الدولي» ما وصم به «التيار الإسلامي» في المنطقة، ذا التيار من دُعم من أمريكا والغرب وحلفائهم لإنهاء التيار القومي، والساعة دقت ساعة الحسم لأجل محقه بإنهاء قلبه «حماس»، بعيد عرض الحلقة النهائية من المسلسل التلفزيوني «داعش»، حماس من تداعي حلفاؤها «حزب الله» و«أنصار الله» لمعاضدتها عن بعد، ذلكم المسكوت عنه لأن مسألة التيار الإسلامي مسألة شائكة، من «أفغانستان» حتى «الصومال» وغرب أفريقيا، ولأن أفريقيا والشرق الأوسط المنطقة الوحل حتى الآن وهنا.

«جو بايدن» الرئيس المؤمن يركب مركب الجنرال رمضان، وهو يخوض حربًا شعواء ضد منظمات إسلامية رأس حربتها «حماس»، لكنه وهو يخوض هذه الحرب يخوضها لدعم «الدولة اليهودية» فـ«حائط المبكي» ضد «طوفان الأقصى». ما بين أن المتناقضات تجلبها وتجبها الحرب، كحرب «شمشون» التي يخوضها لإنهاء الوجود الفلسطيني، هذه المرة تحت شعار إن أردت النجاة لمعبدك هدم معبد خصمك. وواضح أن «جو بادين» يغوص في بحر من المتناقضات، كي ينجو من غرق مهدد للولايات المتحدة والغرب في بحورها الداخلية، كما تعاني ذلك الدولة اليهودية.

وحتى الغد لا يمكن الحديث عن سلام ما، لكن من الممكن اليوم أن يقوم الجنرال رمضان بهدنة مشروطة، بتسليم «حماس» سلاحها التي تخوض معركتها الأخيرة ولن تفرط فيه ولو دفنت حية، وبهذا المقاومة على المحك نكون أو لا نكون، وأن ليس كل مرة تسلم الجرة.

«جو بايدن» استبعد من حساباته الرخ الذي جول في الرقعة: الشعب الفلسطيني وشعوب العالم، وهذا من نافل القول، فكل إمبريالي وخاصة صهيوني/ نازي هو في الأخير: لا عقلاني.