Atwasat

ھاجس العزلة

رمضان المصراتي الخميس 22 فبراير 2024, 09:11 مساء
رمضان المصراتي

انسحب وترك كل ما يھتم به الآخرون.. انقاد إلى الانزواء وكأنه يتبع غريزته التي ليس لھا أي دافع في ذلك... غير لاوٍ على شيء أو عبء سوى تلك الأيام الخوالي التي يتلبسھا ويسكنھا زمن جميل كما يفعل أحيانا بإحدى المدن التاريخية أو الحالمة التي ما زالت أرواح رائعة معلقة في سماء لياليھا المقمرة تتجسد كل ليلة بحضورھا العبقري تبعث إحساسا روحيا يحرك المشاعر ھو أشبه بمحفز يستنشق عطرا أو يلتقط ضوءا لذلك المصدوم أو الضحية فيجعل تلك العواطف والمشاعر المتناثرة تتربع على قمة الألم ويحتويھا كما تحتوى الأصداف الدرر.. تعددت التفسيرات لما تفضي إليه العزلة، ثمة تفسيرات أرسلھا عاديون مثل أي كلام مرسل فلم يجاوز معناھا أي وصف اعتيادي.. مثقل ھو بالخذلان من آخرين كان يعتقد أنھم أقرب إليه من وريده لمن لم يكونوا في حقيقة الأمر سوى سراب يحسبه الظمآن وھو في شدة العطش ماء ثم لم يلبث إلا قليلا حتي تنشب أظافر وخناجر من استند إليھم ليقابل مصيره وقدره ولكن عمق الجراح التي في ظھره ھي التي أسقطته خائرا صريعا لم تسقطه المواجھات في أي مرة.. ثمة من عبثت به الأقدار وتلك التي لم ولن تكون عادلة بأي حال من الأحوال ھزمته بالمكيدة والدھاء وصروف الدھر لم يغب ھذا المشھد الحاني كافكا بصوته الھاديء يحاول مثل كل مرة أن يصلح أمرا متعلقا بالعواطف والمشاعر الإنسانية كما فعل مع تلك الطفلة التي فقدت دميتھا فقال لھا إن دميتھا قد قابلته وھي تقرئھا السلام وأنھا تحبھا كثيرا وھي ذھبت لكي تكتشف ھذا العالم وتبحث عن ذاتھا وبرغم عدم معرفة تلك الطفلة بالمعاني الدقيقة لھذه الكلمات ولكنھا بدت لھا ليس مثل الكلمات ففرحت ھي بتلك الكلمات التي تبعث الحب والأمل... فأن تقول لأحدھم إني أحبك ھي أضعاف المرات بأن تتمني له الحياة طويلا..... ويحضر في ھذا الصدد أيضا الكبير ديستوفسكي بعبقريته الدرامية منقطعة النظير ليجعل من العزلة وھاجسھا جنة وسط جحيم ضلالته وسقطته وانھياره في أغلب الأحيان فيصورھا لمتأمل روعة الدرامية وبل لقرائه أنھا الملاذ الوحيد من فضاضة وھراء بني البشر وعالمھم المتسخ بالعھر المدقع ولم يبتعد تشيخوف سوى بضع خطوات عن عرابه ليصف لنا العزلة بأنھا الخروج عن المألوف والتمرد عليه ليصف لنا بدون سابق إنذار أو سابق إصرار أو ترصد الحالة النفسية لكل الحركات المتمردة المتخذة من الدين أو السياسة ستارا لھا في انفعالات تشبه رقصة المذبوح نازعة إلى غريزة الموت وھي تتقمص العزلة والعزل رمزية لھا.....وحتى الكبير تولستوى والفيلسوف سارتر لم ينحرفا ببوصلتهما عن الوجھة.... غير متحسسين لھاجس العزلة الحقيقي وھو النزوع في الانزواء عن التفاعل العاطفى للموت.. ليس إلا؟!