Atwasat

تطور الاستراتيجية الأميركية تجاه ليبيا (1-2)

وسام عبدالكبير الثلاثاء 20 فبراير 2024, 01:20 مساء
وسام عبدالكبير

شكلت الحرب على طرابلس في أبريل 2019 نقطة تحول في سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه الأوضاع في ليبيا، وأصبحت أكثر انخراطاً وفاعلية في الملف الليبي.
 أعاد البيت الأبيض ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، وأصبحت الأوضاع الأمنية والسياسية في ليبيا تحظى باهتمام كبير من قبل الإدارة الأميركية مع بروز التواجد العسكري لقوات الفاغنر في ليبيا.
التمدد الروسي في جنوب البحر المتوسط وما تتميز به ليبيا من موقع استراتيجي وأهمية اقتصادية يقلق الولايات المتحدة وحلفاءها ويهدد مصالحهم في المنطقة. هذه المتغيرات دفعت صناع السياسة الخارجية الأميركية إلى تبني استراتيجيات جديدة.
وأول مؤشرات هذا التحول في السياسة الأميركية إزاء الأحداث في ليبيا في نوفمبر 2019 أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها تسعى للضغط لوقف الحرب على العاصمة طرابلس، وأضاف بيان الوزارة أن «المسؤولين الأميركيين أكدوا دعم بلادهم الكامل لسيادة ليبيا وسلامة أراضيها كما أعربوا عن مخاوفهم من استغلال روسيا للصراع في ليبيا على حساب الشعب الليبي».
منطلقات الاستراتيجية الأميركية في هذه المرحلة هي إنهاء الصراع المسلح عبر إدارة التنافس الدولي والإقليمي في ليبيا لوقف التمدد الروسي.

شكل مؤتمر (برلين 1) يناير 2020، حجر أساس العملية السياسية في ليبيا ووضع إطاراً لوقف إطلاق النار، وساهم في الدفع باتجاه المسارات الثلاثة للحل في ليبيا: المسار الأمني واللجنة العسكرية المشتركة، والمسار الاقتصادي والمالي وترتيبات إعادة إنتاج النفط والتوزيع العادل للموارد، والمسار السياسي والاتفاق على وضع إطار للحوار السياسي ما بين مجلسي النواب والدولة وبعض الشخصيات التي تختارها البعثة الأممية. هذه المسارات الثلاثة حددها المبعوث الأممي غسان سلامة في إحاطته في يونيو 2019، وساهمت نائبة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني ويليامز،  في رسم هذا المشروع الذي أسس لنهاية الحرب ووضع الخطوط العريضة للانتقال للمرحلة التمهيدية في ليبيا. فبراير 2020، مجلس الأمن يتبنى القرار رقم (2510) الخاص بوقف إطلاق النار في ليبيا وضرورة التزام الأطراف بتعهداتها في مؤتمر برلين. تحصل القرار على موافقة 14 عضواً وامتناع روسيا عن التصويت، أبدت الولايات المتحدة الأميركية تأسفها لأن قرار وقف إطلاق النار لم يحظَ بإجماع أعضاء مجلس الأمن، وقال نائب الممثل الدائم المكلف لبعثة الولايات المتحدة السفير شيري نومان شاليه: «من المؤسف أيضاً أن المرتزقة الأجانب بما في ذلك مجموعة فاغنر المرتبطة بالكرملين يصعبون التوصل إلى حل سياسي». وعلق المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة أن صدور القرار بمثابة هرولة من أعضاء مجلس الأمن.

نجحت استراتيجية واشنطن في الدفع نحو وقف الحرب في ليبيا وإطلاق العملية السياسية، وتعزز هذا الدور مع تعيين ستيفاني ويليامز رئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، في مارس 2020، وسبق أن تولت ستيفاني ويليامز العديد من المهام في الخارجية الأميركية منها مسؤولة لمكتب الأردن ونائب مدير مكتب مصر والشؤون المشرقية، ومديرة مكتب المغرب العربي.
 ساهمت ستيفاني ويليامز في نجاح المسار السياسي عبر تسييرها لملتقى الحوار وتفعيل ومتابعة أعمال اللجنة العسكرية المشتركة، إلى أن جرى التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في 23 أكتوبر 2020، وتضمنت المادة الثانية من بنود الاتفاق إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من الأراضي الليبية براً وبحراً وجواً، والهدف بكل تأكيد التضييق على التواجد الروسي لإخراجه من ليبيا.
كان للضغوط الأميركية على أطراف النزاع بالتزامن مع تحركات ستيفاني ويليامز الدبلوماسية دور كبير في الدفع نحو إيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية.
 بناءً على قرار مجلس الأمن رقم (2510) الذي صادق على مخرجات مؤتمر برلين، قامت ستيفاني ويليامز بتسيير ملتقى الحوار السياسي الليبي في نوفمبر 2020، وبإقرار خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي وانتهاء الصراع المسلح في ليبيا وتشكيل سلطة تنفيذية جديدة ووضع جدول زمني للانتخابات البرلمانية والرئاسية.

أنهت الدبلوماسية الأميركية مرحلة مهمة في إدارة الصراع في ليبيا ونجحت في التضييق على قوات الفاغنر وإيقاف تمددها، ووضع خطة لإخراجها من ليبيا من خلال تطبيق قرارات الشرعية الدولية وإنجاز الاستحقاقات الوطنية.
بالمقابل استمرت اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» في عقد اجتماعاتها داخل ليبيا، ولكنها لم تحرز أي تقدم في ملف إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب رغم الاهتمام والمتابعة من قبل الإدارة الأميركية.
مايو 2021، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى بالإنابة جوي هود في زيارة إلى ليبيا هي الأرفع مستوى منذ 2014، رفقة المبعوث الأميركي الخاص ريتشارد نورلاند، التقيا خلالها كلا من رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية» عبدالحميد الدبيبة ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، ورئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح، وتمت مناقشة المجالات ذات الاهتمام المشترك والأوضاع السياسية في ليبيا، والدفع نحو إنجاز الانتخابات البرلمانية والرئاسية، كما عقدت اللجنة العسكرية المشتركة في سبتمبر 2021 اجتماعاً بطرابلس مع قائد القوات الأميركية بأفريقيا «الأفريكوم» الجنرال ستيفان تاونساند بحضور السفير الأميركي ريتشارد نورلاند، وأكد الجانب الأميركي التزامه باتفاق أكتوبر لوقف إطلاق النار وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا.
وتزامنت زيارة قائد «الأفريكوم» إلى ليبيا مع إقرار مجلس النواب الأميركي قانون استقرار ليبيا، حيث ينص مشروع القانون على فرض عقوبات على الممتلكات وحظر التأشيرات على الأشخاص الذين يساهمون في العنف في ليبيا، ويطلب مشروع القانون من الرئيس الأميركي فرض عقوبات على أي شخص أجنبي إذا دعم أو انخرط في أي نشاط مع أي شخص أجنبي يعمل لصالح روسيا في ليبيا في المجال العسكري، وكذلك معاقبة كل من يقوم بتهديد السلم والاستقرار في ليبيا، مشروع القانون يشير إلى انطلاق استراتيجية جديدة تعكس أهمية الملف الليبي لدى الإدارة الأميركية على المستويات التشريعية والأمنية والسياسية كافة.

جاءت استقالة المبعوث الأممي يان كوبيش بعد تعثر الوصول للانتخابات البرلمانية والرئاسية في ديسمبر 2021، وعدم إحراز أي تقدم في ملف إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب.
كان على الولايات المتحدة الأميركية تطوير استراتيجية جديدة للدفع بالعملية السياسية في ليبيا بما يضمن حماية مصالحها وتحجيم النفوذ الروسي.
وفي ديسمبر 2021 الأمين العام للأمم المتحدة يُعلن تعيين ستيفاني ويليامز مستشارة له معنية بالشأن الليبي، مما يعني عودة الفاعلية الأميركية للإشراف على الملف الليبي.
في نهاية مارس 2022 بعد قرابة الشهر من اندلاع الحرب في أوكرانيا تُعلن الولايات المتحدة الأميركية استراتيجيتها الجديدة بشأن ليبيا، الاستراتيجية العشرية لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار. الاستراتيجية مصممة حسب الاحتياجات وقابلة للتطوير عبر أربعة أهداف شاملة توجه المشاركة الدبلوماسية والأمنية والإنمائية. 
أول هذه الأهداف انتقال ليبيا إلى نظام سياسي موحد منتخب ديمقراطياً، من خلال حكومة منتخبة وقوية وجسم تشريعي موحد، من شأن ذلك أن يدفع باتجاه توحيد المؤسسات السيادية ويقطع الطريق على الجهات الفاعلة الخارجية بما في ذلك روسيا التي تستغل الوضع غير المستقر في ليبيا. 
بالإضافة إلى دمج جنوب ليببا المهمش تاريخياً في الهياكل الوطنية وتأمين الحدود الجنوبية، وتكمن أهمية الجنوب في أن استغلال الجهات الفاعلة الخبيثة أنظمة الحكم المحلي الهشة وغياب سلطة الدولة للبحث عن ملاذات آمنة للأنشطة الإرهابية وغير المشروعية مما يؤدي إلى زعزعة منطقة الساحل الأفريقي، ويشكل تهديداً للجناح الجنوبي لحلف الناتو، والتخوف من استمرار تمدد الفاغنر في دول الساحل الأفريقي عبر الحدود الجنوبية في ليبيا، وكذلك تدفع الاستراتيجية باتجاه إحراز تقدم نحو إنشاء مؤسسة عسكرية موحدة تخضع لسلطة مدنية مع تحكم مطلق للاستخدام المشروع للقوة القادرة على الحفاظ على الاستقرار وتحقيق أهداف الأمن الإقليمي.
وجود قوة عسكرية موحدة تسيطر على المنطقة الجنوبية وتؤمن الحدود الجنوبية تقطع الطرق على المرتزقة والمقاتلين الأجانب والمجموعات المرتبطة بهم.

وأخيرًا تحقيق النمو الاقتصادي العادل والمستدام وتعزيز البيئة التجارية والحد من الفساد. وفي أبريل 2022 أعلن الرئيس الأميركي بايدن أن الولايات المتحدة ستعطي الأولوية للعمل والشراكات مع ليبيا في إطار استراتيجية الولايات المتحدة لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار.