Atwasat

سحر الخضراوات

محمد عقيلة العمامي الإثنين 19 فبراير 2024, 03:34 مساء
محمد عقيلة العمامي

هكذا، بغتة، سمعت قعقعة مفصل قدمي، وتوجه نظري مباشرة نحوه، وسريعا ما أحسست بلهيب نار في طوق مفصلي. نُقلت سريعا إلى المستشفى، وكأنني أحلم، ويبدو أنني غبت عن الوعي.. يبدو أن واحدة من تلك الإبر غيبتني في نوم عميق.
صحوت اليوم التالي، وعلمت أن عجلة سيارة ملعونة فصلت قدمي عن بقية الساق، ولولا الجلدة لفقدتها إلى الأبد. أخذت إلى غرفة العمليات. هناك كان طاقم من الأطباء الشباب ملتفين حولي، والكل يواسيني، ويؤكد لي أنني لا أحتاج إلى رجل صناعية!، وإنما إلى عملية، ولن يمضي وقت طويل حتى تعود قدمي لي!

وصل الطبيب الشاب، كان دمثا، خلوقا، وعرفت فيما بعد، أنه متابع جيدا للأدب والثقافة، حد أنني أحسست بأنه مأخوذ بعالم الرواية، معرفته وثقافته هونت مغبة الحادث، وأصبح صديقي، وأحد أروع من تعرفت عليهم في مصر العزيزة.
بمجرد وصوله التقط ملف التحليلات، وما إن قرأها حتى أمر بإعادة تحليل العظام. أعادوا التحليل، فكان مطابقا للأول! وما إن بدأ الطاقم في عملهم حتى اقترب مني، وأخبرني بأنه سعيد بإعادة التحليل، فلقد كان يخشى خطأ طبيا، لأن ثمة تناقضا واضحا ما بين سنى ونتائج التحليل. شكرته وسريعا ما غبت عن الوعي. وطوال مكوثي في المستشفى لم يغب عني، ولم تنقطع مكالماته حتى بعد عودتي إلي بيتي، وسريعا ما تركت العكاز، وإن خفت سرعة حركتي.

ذات يوم تحدثنا عن وجبة الإفطار، وكيف أني تعجبت في مطلع سبعينيات القرن الماضي عندما شاهدت الأميركيين في نيويورك يتناولون أطباق اللحم المشوي في وجبة الإفطار! وقادنا الحديث عن الوجبات الصباحية، وكيف أنني تعودت من زمن بعيد علي صحن من الخضراوات والكركم المخلوط مع زيت الزيتون، وسألني باستغراب عن الكركم، فأخبرته أنه من قوام «الكاري» الذي أحب طعمه، بعدما أصبح منذ أن زرت آسيا في ثمانينيات القرن الماضي مادة ضرورية في إفطاري، فقاطعني: «لهذا عظامك في حالة جيدة، فالكركم مفيد جدا لها»، ومنه علمت أن نتائج بحوث أثبتت أن عظام الآسيويين واليمنيين متميزة، لأن الكركم مادة مشتركة في غذائهم اليومي!

خطر علىّ ذلك كله بعدما قرأت موضوعا عن أهمية الخضار في حياة الحيوانات كافة، وبالطبع البشر، ورأيت تلخيصه، فهو من منشورات مجلة باشرت إنتاجها منذ أكثر من قرن كامل، وهي «Science News Letters»، التي أسستها جمعية العلوم والمهتمون بها العام 1921، وما زالت تصدر حتى الآن، وهدفها تعزيز ثقافة العلم وفهمه، ونشره بين الناس كافة بمختلف أعمارهم وتوجهاتهم، وذلك من خلال منشوراتها وبرامجها التعليمية، وهي منظمة غير ربحية، مقرها واشنطن العاصمة. ومن أهدافها أيضا خدمة العلم وتشجيع طلابه وأولياء أمورهم والمعلمين على استكشاف العلوم وعوالمها الواسعة، وذلك من خلال المنشورات والبرامج والمعارض العلمية ومسابقات المنح الدراسية، ناهيك عن مساعدة جمعيات العلوم والرياضيات والهندسة، وتنسيب الكثيرين إليها، وكانت عاملا حاسما ومفيدا في اختيار المهن العلمية.

المقال اسمه «السحر الأخضر»، ويقول باختصار شديد: «ثمة ألفة بين ضوء الشمس والنبات الأخضر»، والعلم يبحث في مادة «الكلوروفيل»، وهي ما يمنح النبات اللون الأخضر، وهي مادة أثبت الباحثون علاقتها بفائدة طبية، تتمثل في مكافحة التهابات الجروح، وبالتأكيد توصلوا إليها، فعمر هذا البحث تجاوز الآن المئة عام!

العام 1913 توصل كيميائي ألماني إلى أن معجزة الخضرة في الطبيعة لها علاقة وثيقة بسر الحياة، وهي الشمس، وأن النباتات الخضراء هي وحدها سر «التسلط على الطاقة الشمسية»، بمعنى أنها المستفيدة تماما منها، ثم تعطيها للإنسان والحيوان، والإنسان يستهلك هذه الطاقة مما يأكله من النباتات الخضراء. ومن بعد أن طور إمكاناته في القنص والصيد، أصبح يستهلك أيضا ما اكتسبه الحيوان من هذه الطاقة النباتية، فالإنسان، في البداية، كائن نباتي!

والمقال يسرد الكثير من الأمثلة التي تؤكد فائدة مادة «اليخضور» في علاج الكثير من الالتهابات والتقرحات. كما يشير المقال إلى البحوث الجادة في الاستفادة من هذه المادة، وأن الكثير من التجارب عليها تجرى على نطاق واسع، وأنهم يأملون النجاح فيما يبتغون، وذلك منذ العام 1921!

والآن، بعد مئة عام، لا بد أننا نعالج العديد من مصائبنا بـ «اليخضور»، خصوصا لمن يعالجون مصائبهم «المكتسبة» بالحروب!

لم أخبركم من البداية أن إفطاري يتكون من الكركم، وأي نبتة خضراء أجدها في البيت، باستثناء الأقمشة وأقلام تلوين كراريس أحفادي.