Atwasat

فتش عن «أهداف الثورة»

عمر إبراهيم الحداد الخميس 15 فبراير 2024, 07:39 مساء
عمر إبراهيم الحداد

عندما تُذكر «أهداف الثورة» في أي مناقشة، ينشأ جدل واسع يتراوح بين تعريف الثورة نفسها وتقييم الأهداف المنسوبة إليها، بل إلى رفضها أو تجاهلها تمامًا، وذلك بسبب عدم وجود قيادة مسبقة للثورة، وتباين الرؤى حول ما يُعد هدفًا أصيلًا أو غير أصيل. ومع ذلك، يجب أن نعترف بأن هناك أهدافًا محددة يجب أن تكون موجودة، فمن ينتفضون ضد السلطة ويواجهون القمع والعنف في الشوارع لا ينطلقون من العدم. لذا، عندما يحدث تشويش وتداخل في تحديد الأهداف، فالأولى، بدلًا من صرف النظر عنها، البحث عن وسيلة لفرز ما يُزعم أنه من الأهداف الحقيقية للثورة.

لحل هذا التحدي، يمكن طرح منهجية لتقييم الأهداف المزعومة والتمييز بين الأهداف الأصيلة والأهداف الدخيلة. تقوم المنهجية على أربعة معايير أساسية هي: العفوية، والرموز، والاستمرارية التاريخية، والمطالبة الشعبية المستمرة، وعلى اعتبار الأهداف التي توافق هذه المعايير أهدافًا حقيقية للثورة.

لماذا يجب الاهتمام؟
منذ سنواتها الأولى، تتعرض ثورة 17 فبراير لمحاولات المصادرة والخطف، التي طالت أيضًا «أهداف الثورة». هذه الأهداف تمثل جملة من القيم الوطنية الأساسية، وهي الأقرب إلى الثوابت الوطنية وينبغي أن تتجسد في دستور البلاد والقوانين المشتقة منه. وبالنظر إلى استمرار غياب الدستور، يجب أن تكون هذه الأهداف هي المرجعية للهيئات التشريعية والسياسية القائمة التي لا تستند شرعيتها إلا إلى ثورة 17 فبراير.

لذا فإن البحث في فهم أهداف الثورة وتحديدها ضروري لتوجيه العملية السياسية ووضع الدستور. هذا النهج يساهم في تحقيق العدالة والديمقراطية والتغيير الإيجابي.

العفوية
تُعد «العفوية» واحدة من أهم المعايير لتقييم أهداف الثورة؛ حيث تعكس طلبات الشعب الحقيقية دون تأثير خارجي أو أجندة سياسية محددة. ويمكن استنتاج هذه الأهداف من خلال:

- الشعارات التي رفعها المتظاهرون في الساعات والأيام الأولى للثورة، مثل: ««نوضي نوضي يا بنغازي»؛ «الشعب يريد إسقاط النظام»؛ «لا نبو سيف ولا باته .. نبو الشعب يعيش حياته»؛ «لا شرقية لا غربية .. ليبيا وحدة وطنية»؛ «يا قذافي يا جبان .. هذا علم الاستقلال»؛ و«يا شباب العاصمة .. نبو الليلة حاسمة».

- التصرفات العفوية التي قام بها المتظاهرون، مثل تدمير رموز النظام السابق، مما يعكس رفضهم التام للنظام ورغبتهم في التغيير.

- رفع علم الاستقلال ونشيد الاستقلال، وهذا يدل على رغبة الشعب في العودة إلى نظام ديمقراطي وحكم القانون وبناء دولة مؤسساتية.

وعلى هذا، يمكن اعتبار أي هدف يعكس الشعارات والتصرفات «العفوية» من قبل المتظاهرين خلال أيام الثورة الأولى هدفًا أصيلًا من أهداف الثورة.

الرموز
تُعد الرموز أدوات مهمة للتعبير عن أهداف الثورة؛ حيث تجسد تطلعات الشعب بشكل رمزي وسهل الفهم. ونستطيع تحليل الرموز من خلال:

- الأعلام والشعارات التي يتم استخدامها في المظاهرات والاحتجاجات، مثل رفع علم معين أو عبارات محددة.
- الرموز المرتبطة بالحرية والعدالة، مثل صور القادة الثوريين السابقين أو الرموز المتعلقة بالحقوق الإنسانية.

إذا كانت الأهداف المزعومة تتلاقى مع الرموز المستخدمة من قبل المتظاهرين والثوار في بداية الثورة، فيمكن اعتبارها أهدافًا حقيقية للثورة.

من بين الرموز التي رفعها المتظاهرون خلال أيام الثورة الأولى وتحولت إلى رموز ثابتة للثورة كان علم الاستقلال ونشيد الاستقلال. هذه الرموز تشير بوضوح إلى رغبة الشعب في العودة إلى «الدولة» والنظام الدستوري وحكم القانون، ورفض «ثورجية» نظام القذافي ورموزه.

الاستمرارية التاريخية
تعكس الاستمرارية التاريخية أصالة الهدف ووجوده كجزء من التاريخ والثقافة الوطنية. إنه نتاج مسار تاريخي حافل بالنضال والتضحيات. يمكن تحديد الاستمرارية التاريخية من خلال الروابط بين الهدف المزعوم وتطلعات ومطالب الجماهير في الماضي. فإذا كان الهدف يعكس استمرارية التاريخ وتحقيق تطلعات الشعب على مر العصور، يمكن اعتباره هدفًا حقيقيًّا للثورة.

على سبيل المثال، هتافات المتظاهرين في بنغازي ليلة 15 فبراير 2011: مثل «نوضي نوضي يا بنغازي.. جاك اليوم فيه اْتراجي (أي: انهضي يا بنغازي أتي اليوم الذي لطالما انتظرته)».، وكلمات أنشودة: «جيبوا طيارة.. جيبوا حتى دبابات؛ من يوم السفارة.. الشعب الليبي دمَّه مات»، تدل على أن الثورة ليست وليدة اللحظة؛ بل هي نتاج تراكم تاريخي من النضال والتضحيات، تستمد أهدافها من أهداف حركة كفاح الشعب الليبي من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

المطالبة الشعبية المستمرة
تعكس المطالبة الشعبية المستمرة الدعم الشعبي المستمر لهدف معين والتزام الشعب به وعدم التراجع عنه. فإذا كان هناك تأييد مستمر من الشعب للهدف واستمرار المطالبة به، يمكن اعتباره هدفًا حقيقيًّا للثورة.

ومثال على ذلك «اعتصام ميدان الشجرة» في بنغازي، الذي استمر مدة شهرين في ديسمبر 2011 ويناير 2012، ومظاهرة «جمعة إنقاذ بنغازي»، التي شهدت مشاركة أكثر من 30000 مواطن، في 21 ديسمبر 2012؛ فالمطالبات التي رفعتها تجسد أهدافًا تتفق مع هذا المقياس، وبالتالي يمكن اعتبارها تأكيدًا لأهداف الثورة.

كما أكدت المشاركة الشعبية الكبيرة في أول انتخابات تشريعية بعد الثورة في 7 يوليو 2012م أهدافًا عدة للثورة.

خلاصة القول
باستخدام هذه المعايير الأربعة، يمكن تحديد «أهداف الثورة» الحقيقية وتمييزها عن الأهداف الدخيلة، دون حاجة لصرف النظر عن «أهداف الثورة» وتجاهلها برمتها بزعم تداخل الأهداف.

والأهداف التي فرزتها هذه المعايير تشير إلى ماهية أهداف ثورة 17 فبراير في ليبيا، وهي تحديدًا: القطيعة مع عهد حكم القذافي، وبناء الدولة بإنهاء حالة «الثورجية» والفوضوية التي فرضها القذافي، عبر استلهام نموذج الدولة التي مثلتها دولة الاستقلال إبان عهد الحكم الملكي، علمًا ونشيدا.

____________________
* مدير الموقع والمحتوى الرقمي، بوابة الوسط