Atwasat

بنات الحوات

منصور بوشناف الخميس 25 يناير 2024, 09:35 مساء
منصور بوشناف

لا يبدو المشهد جديداً تماماً، فهن سبع بنات واجمات في حديقة بيت طرابلسي قديم ينتظرن، وقد لا يبدو هذا المشهد للعارف إلا تناظراً مع «النساء الجزائريات» أو فليتناظر مع «بنات أفينيون». المهم، هن سبع بنات واجمات ينتظرن ويحاولن تصريف قلق الانتظار.

«بنات الحوات» لوحة للفنانة الليبية «نجلاء الشفتري» تظهر فيها سبع بنات كاملات النضج والأنوثة، يتلهين بضفر أطواق الياسمين وضفائر الشعر والتحديق في الفراغ وتؤطر اللوحة شجرة ياسمين ويشكلن دائرة أنوثة.

هن سبعة أيام متكررة تم اختزالها في لحظة واحدة، أو هن بنت واحدة تم نسخها سبع مرات، أو زمن واحد لا حروف النغم السبعة.

بيت طرابلسي قديم يسكنه السكون والوجوم ليبدو كلوحة لطبيعة صامتة أو ربما كلحظة «توقف وصمت وتحديق في الفراغ» في مسرحية لصمويل بيكيت، إنها ورغم كل هذا السكون لحظة انتظار تمتد لزمن طويل ورتيب تحاول ضحاياه إخفاء قلق الانتظار والترقب.

ينتمي البيت إلى القرن التاسع عشر على ما يبدو ولكن ساكناته ينتمين للقرن الحادي والعشرين ويهيمن عليهن بيت العهد العثماني الثاني بمعماره وقلقه المكبوت.

البنت الوحيدة، سجينة بيت القرن التاسع عشر الطرابلسي تظهر ورغم سكون المشهد قلقة تتنقل من حالة لأخرى تضفر طوق ياسمين وتضفر شعرها ضفيرة واحدة، تجلس ناظرة باتجاه المشهد الذي يصور حالاتها أو تستند إلى جذع الشجرة متلهفة لقادم لا يجيء، البنت الوحيدة تظهر في سبعة أوضاع رغم السكون متوترة، قد نرى اللوحة هكذا سبع لقطات مختلفة لبنت وحيدة في بيت طرابلسي قديم، البنت تبدو أقرب لسجينة داخل هذا البيت.

هما بنتان إذن حين ندقق أكثر، واحدة بفستان بنفسج والأخرى بفستان أبيض، بنت البنفسج لا تهدأ تضفر شعر الأخرى ثم تضفر طوق ياسمين ثم تستند على جذع الشجرة في انتظار الذي ربما يجيء، أما البنت الأخرى فتبدو ساكنة تتكئ بخدها على يدها ولا تفعل شيئاً إلا التأمل ثم وفي وضع آخر وهي تنظر إلى البعيد.

هن أربع لو دققنا أكثر، ربما فصول بيت طرابلسي قديم بألوان البنفسج والأبيض والأصفر والأحمر الوردي ولكنها فصول فارغة من التكرار والصمت والانتظار.

إنها طرابلس أم المدن الليبية وهي تنكمش على نفسها داخل بيت من القرن التاسع عشر تلوك ما تبقى لها من ضفائر وياسمين وألوان، طرابلس الآن وهي تحاول أن ترمم بقاياها وأن تحفظ روحها من عبث القبائل المتناحرة.

«بنات الحوات» أو «سبع صبايا» لوحة الليبية «نجلاء الشفتري» قد لا تبدو إلا حالة حنين جارف لماضي مدينة تغيرت وتشوه كل ما فيها منذ تحديث بالبو وحتى عشوائيات الحكومات الوطنية ويعكس هذا الفهم والإحساس حالة السلفية الطاغية التي تجتاح العقل والوجدان الليبيين طوال العقود الماضية والرفض غير المنطقي لكل منجز التحديث في ليبيا بل والعداء لمشروع التنوير والتحديث برمته.

ولكن اللوحة وعبر تلك الدراما الخفية قد لا تبدو إلا مرثية لمشروع نهضة انهار أو أنها ليست إلا صورة لاعتقالنا في سجن ذلك الماضي لنلوك سراً ذكريات الياسمين والأنوثة والألوان وننتظر ذاك الذي لا يجيء.