Atwasat

الصحافة الأدبية في صفحات مطوية! (1-2)

سالم الهنداوي الخميس 25 يناير 2024, 05:28 مساء
سالم الهنداوي

.. شهدت الحركة الإبداعية العربية في الربع الثاني والثالث من القرن العشرين ظهور مطبوعات "النخبة الأدبية" في عالم الصحافة الثقافية، وظهور الريادات الإبداعية، في الشعر والنقد والقصة، وهي الريادات القليلة التي واكبت حركة التنوير العربية بمساحاتها الفكرية، الاجتماعية والاقتصادية، وكانت الحُرية عنوانها العريض في قضايا الفكر والمرأة والشباب والإبداع الأدبي.

قد تكون القاهرة وبيروت من أهم العواصم العربية التي طرحت سؤال الحرية عملياً بتأسيس الصالونات الثقافية في الشام ومصر والتي كان لها الأثر الكبير في حركة الأدب والشعر، وكان من أشهرها في عشرينيّات القرن الماضي صالون "مي زيادة" ومجالس "مصطفى صادق الرفاعي وعباس محمود العقاد وطه حسين وأحمد حسين ومحمود شاكر" وغيرهم.. وإصدار المجلّات الثقافية ذات الطبيعة الفكرية والأدبية كمجلّة "الرسالة" التي ترأس تحريرها الأديب المصري "أحمد حسن الزيات" في العام 1933 وكتب فيها معظم رموز الأدب العربي آنذاك مثل: زكي نجيب محمود وعبّاس العقاد وسيّد قطب وأحمد أمين وعلي الطنطاوي ومصطفى صادق الرافعي وطه حسين والشابي، ومجلّة "الثقافة" الأدبية التي ترأس تحريرها المفكر "أحمد أمين" وصدرت في القاهرة خلال الفترة "1939- 1952"، وهناك مجلّة "الطليعة" الثقافية القومية الشهرية التي صدرت في دمشق العام 1936 وترأس تحريرها "ناصر الدين حده"، ومجلّة "الطليعة" الثقافية التي صدرت في القاهرة العام 1966 وترأس تحريرها الكاتب "لطفي الخولي"، ومجلة "الطليعة" الأدبية العراقية التي ترأس تحريرها الكاتب "أمجد توفيق" إضافة إلى المجلّات العراقية الرافدة كـ"الثقافة الأجنبية" و"أقلام" و"آفاق أدبية"، وفي سوريا مجلّتي "الكاتب العربي" و"الأديب" الصادرتيْن عن اتحاد الكُتّاب العرب في دمشق برئاسة "علي عقلة عرسان".. وفي ليبيا مجلّة "الفصول الأربعة" عن رابطة الأدباء وتعاقب على رئاسة تحريرها عددا من الأدباء الذين تولّوا رئاسة الرابطة خلال عقود السبعينيّات والثمانينيّات والتسعينيّات من القرن الماضي قبل أن يتعثّر صدورها بسبب ضياع الرابطة، وكذلك كانت مجلّة "الثقافة العربية" بمراحل إصداراتها المختلفة خلال تلك العقود، ولا تنسى الذاكرة الثقافية مجلّة "قورينا" التي صدرت في الستينيّات عن كلية الآداب بجامعة بنغازي، ومجلّة "جيل ورسالة" التي صدرت في السبعينيّات عن الحركة الكشفية في بنغازي، ومجلّة "المجال" للثقافة والعلوم التي صدرت عن جامعة عُمر المختار بالبيضاء خلال العقد الأول من الألفية الثالثة.

معظم تلك المجلّات الثقافية، الشهرية والفصلية، التي صدرت في عدد من بلاد المشرق كان لبعضها ذات الاهتمام وذات العنوان، كمجلّة "الطليعة" في سوريا ولبنان والعراق، ومجلّة «الأديب» غير السورية لمؤسسها ومحررها الشاعر اللبناني "البير أديب" والتي صدرت خلال الفترة من "1942- 1983".. كذلك مجلة "الفكر المعاصر" في إصدارها الأول العام 1968 وكان ترأس تحريرها المفكِّر المصري المعروف "زكي نجيب محمود"، ومجلّة «الآداب» اللبنانية لمؤسسها الروائي "سهيل إدريس" والتي صدرت في بيروت العام 1953، ومجلّة «فصول» للنقد الأدبي التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب مع مجلّات "أدب ونقد" و"إبداع" و"القاهرة"، و«الثقافة الأجنبية» و"أقلام" و«المورد» و«شعر» و«حوار» و«المعرفة»، باختلاف أحجامها ومواعيد صدورها بين الشهري والفصلي.. وهي مجلّات نخبوية ذات انتشار محدود وبطباعة عادية تفتقر لتقنيات الطباعة الحديثة.

.. ولا تنسى حركة النشر الثقافي العربي العناوين القديمة المؤسِّسة للنهضة الثقافية المبكّرة وإبداعاتها الصحفية التاريخية كمجلّة "الهلال" العريقة التي أسّسها "جورجي زيدان" وصدرت عن "دار الهلال" المصرية عام 1892، وتُعد تاريخياً أول مجلّة ثقافية شهرية عربية، يُضاف إليها مجلّة "العربي" الشهرية الكويتية الأكثر انتشاراً عربياً، مع مجلّة "عالم الفكر" الفصلية الكويتية، و"الكرمل" و"اللوتس" الفلسطينيتيْن، وفي سلطنة عُمان مجلّة "نزوى".. وكما عادت مجلّة "الدوحة" القطرية للصدور الثاني مع مطلع الألفية الثالثة صدرت في الإمارات شهرية "دبي الثقافية" لتضيف نوعاً جديداً لروزنامة الصحافة الثقافية بعد توقّف مجلّة "الناقد" مع اختلاف النهج بينهما، فقد كانت "الناقد" أنموذجاً لمجلّة السؤال الثقافي والمسكوت عنه دينياً وفكرياً في سلسلة مقالات جريئة كتبها مفكِّرون وفلاسفة عرب كِبار مثل: الصادق النيهوم وصادق جلال العظم وجورج طرابيشي وحسن حنفي وأنسي الحاج.. ولقد وُلدت "الناقد" في زمن "الإحباط العربي" على حد تعبير "رياض الريّس" في بيانه التعريفي بالمجلة وُزِّع على الكتّاب والأدباء العرب قبل صدورها مفاده أن "الناقد" ستتصدّى للضمور الإبداعي، وغياب المنابر الثقافية، وهيمنة الإعلام الرسمي، وتراجع تقاليد وقيم الديمقراطية في الفكر والثقافة العربيين، لصالح "ثقافة" الأنظمة السياسية.. لكن "الناقد" التي عاشت سنواتها السبع (يوليو 1988- يونيو 1995) تحت طائلة الرقابة في عددٍ من الأنظمة العربية ودأب تسريب أعدادها بين النُّخبة، توقّفت عن الصدور في عددها (84) بعد وفاة الليبي "الصادق النيهوم" أحد أهم أعمدتها الفكرية، وبعددٍ خاص حول حياته وعطائه الفكري.

كانت "الناقد" واحدة من أكثر التجارب الصحفية العربية جرأةً في مجالها الأدبي والفكري، وحقّقت من النجاحات ما لم تحققه مجلّة ثقافية أخرى.. وفي كلمته الأخيرة في العدد الأخير، كتب "رياض الريّس": "إن الأشياء الجميلة لا بدّ لها من نهاية، و"الناقد" واحدة من هذه الأشياء الجميلة"!