Atwasat

تأملات في ملامح السجين! (2-2)

سالم الهنداوي الخميس 11 يناير 2024, 05:54 مساء
سالم الهنداوي

.. في معظم أنظمة العالم عاني "الأدباء والكُتّاب والسياسيون" الاعتقال والسجن والتعذيب، ولعلّ السجون في البلاد العربية و"إسرائيل" وأمريكا اللاتينية وآسيا أكثر ضراوة من السجون في الأنظمة الرأسمالية كالولايات المتّحدة واستراليا وأوروبا الغربية.. ولعلّ أمرّهُ كان "التغييب القسري" حيث لا تعرف بمصير السجين الذي لا عنوان له تحت الأرض!

في القوائم الطويلة لأسماء المعتقلين قسراً وسُجناء الرأي في مختلف أنحاء العالم تفاجئنا التقارير بفظائع السجون ومدى القهر الذي يتعرّض له سُجناء الرأي في عالم يقتل الحقيقة في طريق الإنسان، الإنسان ضحية "النظام السياسي" الذي يرفع شعار حرية الرأي ويخرج من مواد الدستور مقص الرقيب والمقصلة!

.. كان سجن "المثقّف" من أهم ميزات تعرية السجن عبر العصور، فمنه خرجت مذكرات السجين والقصص والروايات والأشعار التي دخلت المكتبات واللغات وكانت في صميم مسألة "الحرية" وأزمة "الديمقراطية" ولتكون بالتالي الأرشيف الجامع للحالة السجنية العالمية.

.. في كتابه "من يمتلك حق الجسد؟ قراءة في الحياة السجنية" يقول الكاتب المصري "أحمد عبدالحليم": (الجسدُ داخل الفضاء السِّجني مازال مُهمَّشاً، بالرغم من أنه حلَّ مكانةً هامة في الممارسات والمنهجيات السِّجنية، وذلك من خلال تفاعل السلطوية معه، وبشكلٍ مباشر، عبر إنزال العقاب عليه، وحَوكمته، وترويضه ضمن آلياتٍ أخرى).. ويُحاول الكِتاب إلغاءَ هذا التهميش، من خلال تفكيك علاقاتية ثلاثي الفضاء السِّجني: سلطة، واجتماع «السجناء»، وقانون. وذلك عبر تتبُّع السياسات العقابية في الفضاء السِّجني وأثرها على السجين/ السجينة «النفس والجسد»، وهذا من خلال رصد وتحليل تفاصيل رحلةٍ عميقةٍ حول فلسفة امتلاك السلطة جسد سَجينها وسجينتها، مُنذ تَخطِّيه وتخطِّيها أول بوابةٍ للسجنِ، مرورًا بـالمرئيات العقابية ووصولًا إلى ما بعد الخروج، لـنُكوِّن صورةً صلبةً ومتماسكة حول فلسفة وهدف العقاب، ونصل إلى تَبيِين التأثيرات النفسية والعقلية والفكرية، كما التمثُّلات السيميولوجية على الجسد داخل الفضاء السِّجني وخارجه.

وضمن فعاليات "مُنتَدى المَشرِقِ والمَغرِبِ للشُّؤونِ السِّجنِيَّة" وفي حديثها عن «أدب السُّجون وتساؤلات عن الإبداع والأجناس الأدبية»، تناولت الدكتور "ريبيكا شريعة طالقاني" الأستاذة المساعدة ومديرة دراسات الشرق الأوسط في "كوينـز كوليدج" بجامعة مدينة نيويورك "أدب السجون" بشكلٍ شامل، فـتمَّ عرض ميزاتِ وتحدّياتِ تصنيف الأجناس الأدبية، والاختلافات حول استخدامها إقليمياً وتطوّرها التاريخي، إلى جانب تداعيات مزايا التصنيف على المحتوى المُدرَج تحت المصطلح، مثال «إذا كتبتُ قصةً قصيرة لا علاقةَ لها بالسِّجن أثناء تواجُدي فيه، فهل تندرج في إطار أدب السجون بسبب مكان الكتابة؟» ويُصوِّر هذا السؤال المَطروح الاعتباراتِ المعرفيةَ التي يثيرها المصطلح حيث تطرَّقتْ إلى الدور الهامِّ الذي لعبَه معنى «أدب السجون» في ترجمة انتـهاكاتِ وتجاوزاتِ السجون في المشرق والمغرب والتحقيق فيها. ومع ذلك فقد أشارتْ إلى أنَّ بعض العلماء قد وجَدوا أنَّ المصطلحَ قد ساهم في التركيز على تسويق السجون ومُمارساتها القمعِية، الأمر الذي يُشرِّع تزايدَ أشكال السجون في نهاية المطاف. حيث تُشكِّل الشعبية التي حصدَتها مؤخراً البرامجُ التلفزيونية في السجن، مؤشراً على هذا التَّـسليع، لـمُجمَّع السجون الصناعي في الولايات المتحدة مثلًا.

ويكمن أحدُ العناصر الرائعة في حديث الدكتورة طالقاني في تداخل عملها حول أدب السجون مع الأجناس الأدبية في الولايات المتحدة وفي دول الشرق الأوسط، على سبيل المثال، حيث أشارتْ إلى أنَّ النقدَ أعلاه يقع ضِمن السياق الأمريكي لأدب السجون؛ إذ يُركِّز الكثير من الأكاديميِّين في أدب السجون في الولايات المتحدة على مجمّع السجون الصناعي المَوجود هناك وعلاقته بالعُبودية والعمل غير المأجور، فضلًا عنِ الاستهداف العنصري والاجتماعي والاقتصادي لبعض السُّكان في الولايات المتحدة. أمَّا في الشرق الأوسط، فالوضع مُعاكس، إذْ تُركِّز الأجناس الأدبية للسجون نسبيّاً على الإبداعات الأدبية وتجارب السجناء السياسيِّين أو سجناء الرَّأي؛ في حين أنَّ هذا التركيز ليس سائداً في أدب السجون الأمريكية، وتعتبر الاختلافات في بيئات السجون من خلال هذَين السياقَين من الأمور الحَيوِيَّة التي تجب مراعاتها عند اعتبار «أدب السجون» من الأجناس الأدبية العالمية، على الرغم من الروابط بين السجون في الغرب والشرق الأوسط، كجزءٍ من اتجاهاتٍ عالمية مُماثِلة للسجن، فقد ظهر أدبُ السجون في منطقة الشـرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال الخمسينيّات والستينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي، في خِضَمِّ المراحل الانتـقالية السياسية والاجتماعية والثقافية التي أعقبَتْ فترة ما بعد الاستعمار في المنطقة العربية.. وأشارت الدكتور طالقاني إلى اختلاف رؤية الكُتاب العرب للأجناس الأدبية. على سبيل المثال، يُعرِّفه بعضُ العلماء بأنه أيُّ نصٍّ خياليّ وغير خياليٍّ مكتوبٍ عن السجون فيما يربطُ آخرون أدبَ السجون بنصوصِ التجارب المباشرة للأشخاص الذين سُجِنوا بالفعل، بينما يرفض آخرون فكرةَ إيجادِ تعريفٍ شامل يُطبَّق على جميع النصوص ذاتِ الصلة.

وبعيداً عن التعريفات تقول "طالقاني": لا ينبغي تحيِيدُ أدب السجون عن فضح لقطاتٍ ولمحاتٍ حول تدهور أوضاع السجون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث يُشير الإبداع الأدبي حول السجون إلى مِحورية هذه الأجناس الأدبية في عكس الأخبار والقصص التي لا تُسمَع عادةً في وسائل الإعلام الرئيسية. وتضيف: في الواقع، إنها أخبارٌ وقصص يتم قَمعها وإسكاتها وإخفاؤها. فيجب أن يكونَ البحث عن معنى لأدب السجون كجنسٍ أدبيٍّ عمليةً مستمرةً تتنقَّلُ بين السجون، كمواقعَ لمُعاينة المشاهد الثقافية والأدبية النَّقدية.

يكتسب أدبُ السجون الناتجُ عن التجارب السِّجنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أهميةً خاصَّة؛ لأنه يعرض «ومضاتٍ من النور في الظلام»، وفقًا للدكتور طالقاني.. في الواقع، إنَّ غيابَ الروايات البديلة غير الحكومية وعمليات الأرشَفة التي تُحلِّل وضعَ السجون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى جانب قَمع المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ــ يمنح الرواياتِ والأطروحات والشِّعر دوراً حاسِماً في وصف أساليبِ وجوانبِ الاحتجاز في هذه الدول.

في هذا السِّياق، يمكن تعريف أدب السجون في الشـرق الأوسط، بأنه انعكاسٌ وحصيلةٌ ثانوية لأزمةِ الديمقراطية في الدول العربية، ونظراً لأنَّ أدب السجون غالباً ما ظهرَ في بيئةٍ قَمعية استبدادية، فهو يستحقُّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التقديرَ والدعم من النشطاء والمُدافعين عن حقوق الإنسان إلى جانب الأكاديميِّين، ومع ذلك، فنحن بحاجة إلى تصنيفٍ إضافي لما يجب وما لا يجب تَضمينه في أدب السجون: يكمن الهدفُ في عدم استبعاد أو إعطاءِ الأولوية لبعض الكُتاب على آخرين اعتباطِياً، وعدم الوقوع في فخِّ النصوص «المختارة» بغرض بيعها للجمهور.. والأهمُّ من ذلك، أنْ تكونَ الكتاباتُ التي تَعرِضُ وصفاً جوهريّاً لظروف السِّجن في المنطقة ـ مَنطـقِيَّةً وذاتَ معنى. ومع ذلك، يعتبـر أدبُ السجون من الأجناس الأدبية الغامِضة، ومن المحتمل أنْ تُخالِفَ النصوصُ المعاني السائدةَ لهذا الجنس الأدبي.

.. بحسب "طالقاني" يمكن تعريف "أدبِ السجون" كجنسٍ أدبيٍّ يأخذ في الاعتبار أطياف الاعتقال الصامت وغير المُسجَّل ويتصارع معها، مع الحرص على عدم المساهمة في تطبيع وتسويق الانتهاكات الجسدية والنفسية.
بعضٌ ممّا قيل في السجون:
.. إن السجون الذاتية أبشع من أكثر الزنزانات صلابة.
- بيتر فايس
.. المدارس تُقَدِّمُ ذاتَ الوظائف الاجتماعية التي تقدمُها السجون والمصحّات العقلية - وهي أن تُعَرِّفَ وتُصَنِّفَ وتُسَيطِرَ وتَضبِطَ الناس.
- ميشال فوكو
.. هذا بلد لو أقيمت فيه ميزان عدل كما ينبغي لامتلأت السجون وخلت القصور.
- نجيب محفوظ
.. علموا أولادكم الفنون ثم أغلقوا السجون.
- أفلاطون
.. أتعرف أن بعض الذين ينامون في السجون الآن أشرف ألف مرة من القضاة الذين حاكوموهم وحكموا عليهم؟
- عبد الرحمن منيف
.. الناس في نشرات الأخبار أرقام للنعي، وفي المطاعم أفواه للأكل، وفي البنوك جيوب للنهب، وفي السجون ظهور للجلد، ما عاد أحد فينا يرى الآخر إنساناً.
- أدهم شرقاوي
.. إن السجون تخلق المجرمين.
- فيكتور هوغو
.. ما أكثر الذين يسرقون دون أن يشمّوا رائحة السجون.
- أنطون تشيخوف
.. الخروج من السجون العقلية التي وضعنا فيها أنفسنا ليس بالأمر السهل ما دمنا نحن السجين والسجّان.
- محمد بن مختار الشنقيطي "باحث وكاتب موريتاني"

.. أنا لا أقول أن السجون يجب أن تغلق. أنا أقول إنها يجب أن تكون بلا قضبان، أن رجلاً يوضع داخل القضبان لا يمكن أن يصلح أو يُنسى لأنه لا يمكن أن يتغلّب على ذكرى القضبان أبداً، مهما حاول أن يمحوها من ذاكرته.
- مالكوم إكس
.. أقسى السجون وأمرّها تلك التي لا جدران لها.
- أدونيس