Atwasat

الدلالات السياسية لانتخابات المجالس البلدية

وسام عبدالكبير الثلاثاء 09 يناير 2024, 07:01 مساء
وسام عبدالكبير

مع بداية العام الجديد أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بداية المرحلة التمهيدية لانتخابات المجالس البلدية في 97 دائرة انتخابية في مختلف مناطق ليبيا من أصل 142 دائرة انتخابية اعتمدتها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وهي المرة الأولى التي تشرف فيها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات على الانتخابات البلدية، تنفيذًا للقانون رقم 20 لسنة 2023 الصادر عن البرلمان، والقاضي بنقل صلاحيات انتخابات المجالس البلدية من السلطة التنفيذية المتمثلة في وزارة الحكم المحلي إلى المفوضية الوطنية للانتخابات.

أصدرت المفوضية اللائحة التنفيذية لانتخابات المجالس البلدية وفقًا للقانون رقم 59 لسنة 2012 بشأن نظام الإدارة المحلية.

إن عقد الدورة الثالثة للانتخابات البلدية يعد حدثًا مهمًا يُجسد المكتسبات الديمقراطية للمجتمع الليبي التي تحققت بعد ثورة فبراير 2011، وبالتالي يُعطي استمرارها حافزًا لعودة الحياة الديمقراطية للمؤسسات السياسية، تُمهد الطريق للوصول للانتخابات التشريعية والرئاسية.

كما أن مشاركة المواطنين في العملية الانتخابية والمساهمة في التغيير عبر اختيار قياداتهم المحلية يدفعهم نحو المزيد من الضغط على السلطات السياسية من أجل الإسراع في إنجاز الاستحقاقات الانتخابية كافة.
وتمنح إقامة انتخابات المجالس البلدية عبر النظام المختلط الفرصة للأحزاب والتيارات السياسية لاقتحام الشارع واختبار قدراتها وإمكاناتها.

في الدورات الماضية كانت المحاولات الحزبية في الانتخابات البلدية لا تكاد تذكر، وهذا مؤشر على ضعف الأحزاب وعدم مقدرتها في الوصول إلى الناس وإقناعهم بما لديها من برامج وأهداف.

إن قيام البرلمان بنقل صلاحيات الانتخابات البلدية إلى المفوضية العليا للانتخابات قطع الطريق أمام الانقسام الذي حدث في اللجنة المركزية لانتخابات المجالس البلدية، بعد أن تم تشكيل لجنة مركزية لانتخابات المجالس البلدية تتبع للحكومة الليبية، مع وجود اللجنة المركزية التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية»، الأمر الذي ينعكس سلبًا على مشروعية وأداء المجالس البلدية.

إن انطلاق الانتخابات البلدية في دورتها الثالثة وتحت إشراف المفوضية يأتي في ظل ظروف سياسية استثنائية تعيشها البلاد، أبرزها تعثر مسار الانتخابات التشريعية لمدة عشر سنوات منذ انتخابات مجلس النواب في يونيو 2014، كما أن الدورة الثالثة للانتخابات البلدية تأتي في مرحلة مُعقدة من الانسداد السياسي، عجزت فيها الأطراف الرئيسية عن إيجاد تسوية سياسية لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والرئاسية.

وتتزامن بداية العملية الانتخابية للمجالس البلدية مع دعوة المبعوث الأممي عبدالله باتيلي لحوار الطاولة الخماسية، وبالتالي فإن نجاح الانتخابات البلدية من حيث التنظيم والمشاركة يشكل ضغطًا كبيرًا على الأطراف الرئيسية.

ويُمثل إنجاز الانتخابات البلدية في ظل الانقسام السياسي والأمني اختبارًا حقيقيًا للمفوضية الوطنية للانتخابات وقدرتها على إدارة العلمية الانتخابية في هذه المرحلة، كما أن استكمال المفوضية للاستحقاق الانتخابي في 97 دائرة انتخابية في يوم واحد في مختلف مناطق ليبيا يسقط الحجج التي تراهن على استحالة إقامة الانتخابات العامة في الأوضاع الحالية، في ظل الانقسام الحكومي والأمني، ويبعث رسالة للأطراف الدولية والإقليمية بأنه من الممكن إجراء انتخابات تشريعية دون الحاجة إلى إطالة الأزمة وتمديد المراحل الانتقالية.

إن تعامل الأطراف السياسية الرئيسية مع ملف الانتخابات البلدية يعد مقياسًا حقيقيًا لمعرفة مدى رغبة هذه الأطراف وجديتها في الوصول للانتخابات التشريعية.

وما إن تعلنَ المفوضية الوطنية العليا للانتخابات النتائج النهائية لانتخابات المجالس البلدية، فإن ذلك يؤكد فرضية مفادها أن ما يعرقل انتخابات مجلس الأمة هي القوانين المتناقضة والانتقائية غير القابلة للتطبيق، والتي تعكس عدم رغبة أصحاب المصلحة الرئيسيين في إنهاء أزمة انقسام السلطة التشريعية.

إن نجاح المفوضية في مهمة الانتخابات البلدية يعكس حقيقة الأوضاع الأمنية للبلاد والإمكانات الفنية للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات وقدرتها على إنجاز الانتخابات التشريعية، في حال تنازلت بعض الأطراف الرئيسية عن تمسكها بالشروط الخلافية ذات الطبيعة السياسية.

وتبقى الانتخابات البلدية محطة مهمة للمساهمة في إصلاح الحياة السياسية في ليبيا، لا يجب النظر إليها من زاوية خدمية فقط، ويشكل نجاحها دافعًا كبيرًا لإنجاز الانتخابات التشريعية، والمساهمة في كسر حالة الجمود السياسي وزيادة الوعي المجتمعي بأهمية الانتخابات، وإعادة الثقة المفقودة في العملية السياسية.