Atwasat

«مغبة المصطلحات الغامضة»

محمد عقيلة العمامي الإثنين 01 يناير 2024, 11:54 صباحا
محمد عقيلة العمامي

نحن لم نكن نعرف شيئا عن مسمى «مركب النقص» أعني لا أحد من رفاق جيلي يعرف ماذا يعني هذا «المركب» الذي صرنا نحمّله مسؤولية كل ما نعجز عن فهمه من دوافع سلوك الآخرين! يخيل لي أننا حتى وصلنا الجامعة، لم نكن نعرف شيئا عن هذا المركب، ألصقناه بالآخرين من دون دراية بأسباب سلوكهم! إنه من تلك المصطلحات التي أخذنا في توظيفها لنعلن أننا مثقفون ومتابعون لهذه المصطلحات الجديدة، ذلك لأن نهايتنا مع الكلمات، التي لها علاقة بعلم النفس كانت عند مصطلح، وهو أيضا غير دقيق ونوظفه في غير محله، خصوصا أن سبب استخدامه مجرد اختلاف في الرأي.

يا ليتنا ما سمعنا بمركب النقص هذا! فلو أننا لم نسمع به لما وضعنا رجلا فوق أخرى وألصقناها بكل من لم يتوافق مع ما نريده. لو لم يبتدع هذا المركب لنقصت مخاوف الناس من أصدقائهم وجيرانهم، بل وأهلهم وقد يصل الأمر حتى أنفسنا. ما تعريف هذا المركب؟ من وصفه؟ وكيف يصاب المرء به؟ أم يولد معنا ونحن لا نعلم؟

مثل هذه العبارات تتأسس، في تقديري، من الاطلاع وكثرة القراءة، بل هناك رأي يقول إن المخاوف النفسية كافة تتولد من الإفراط في ما نقرأه عنه في المواضيع ذات الصلة بعلم النفس، ونردد كلماته ومصطلحاته لنكتسب صفة المثقف! تأخذنا العبارات والكلمات، بل ونستخدمها من دون أن نعرف مغبتها، بل، وأحيانا، حتى معناها.

أثناء سطوة اسم الإشارة للمكان البعيد: (ثمة) وهو الذي جاء به إلينا في ستينيات القرن الماضي: الأديب الراحل صادق النيهوم، كنا في محاضرة عامة في مدرج رفيق بكلية الآداب قال أحدهم في معرض مداخلة ينتقد فيها جزئية جاءت في المحاضرة: «.. وهناك ثمة مخالفات واضحة..»، فقاطعه أحد الحضور وهو من أحد الأساتذة الأفاضل محتدا بحنق واضح:

- «المخالفة الواضحة، هي أن نتركك تسترسل.. يا باشا (ثمة) وهناك كلمتان لمعنى واحد، الله يسامح النيهوم، ما كان يخليكم على (هناك) ويرتاح سيبويه قبره!».

(مركب النقص) هذا يبدو لي أن الناس لم يعرفوه إلا بسبب مخاوفهم، والمخاوف تتولد من الإفراط في قراءة كتب علم النفس، فالخوف من شيء تافه، بسبب مركب النقص! يتحول من تافه إلى مأهول، فكثيرا ما نرى مبالغة فالأم -المثقفة- التي تلد للمرة الأولى تعكف على قراءة عدد هائل من كتب العناية بالأطفال، وكذلك الفتاة البريئة تلملم كل ما يقع في يدها من كتب العناية بمظهرها، بمجرد أن يبرز نهداها بمقدار حبة مشماش. إن كل ما يستجد على المرء، بدأ من بداية مراهقته يخشاه، وغالبا لا يبوح به لأحد ويتجه مباشرة إلى قراءات مبالغة لمعرفته، في حين أن كل ما يحدث ومشابه لتلك الحالات، هو حدث مع أغلب جيلي، عندما انطلقنا أول مرة نحو ساحل بحر الشابي في بنغازي، وهو لمن لا يعرف يمتد شمال بنغازي تحديدا، وبه (سطاحات) صخرية تبرز مباشرة من بعد حوالي 40 مترا، فتقسم الساحل إلى جزئين جزء لا يغمر صبي، أو يغمره قليلا. وفي هذا الجزء في الغالب يتعلم الأطفال السباحة، ويظلون فترة يخشون أن يسبحوا بعد تلك (السطاحات) الصخرية، لأن البحر بعدها عميق جدا، ولكن مع ذلك يتجرأ الأطفال ويتحركون فوق تلك (السطاحات) وفي الغالب يقوم أحد أقارب الصبي، أو أصدقائه بدفعة بغتة، فيهلع ويمارس ما تعلمه من استخدام قدميه ويديه في الجزء الضحل، فيجد نفسه يعوم، وسريعا ما ينقلب الهلع إلى فرحة عارمة، فلقد أصبح من فئة الرجال!

لذلك السبب تميز شباب منطقة الشابي بالجرأة. والأمر لا يختلف عن المخاوف التي تصيب الصبية في بداية حياتهم، وانتقالهم من مرحلة إلى أخرى، وبالطبع ذلك ينسحب على مناحي المعرفة كافة.
ليس هناك مركبات نقص، ولكن هناك رهبة وخوف من معرفة السلوك والعقل والتدبر الإنساني، ومن الخطأ أن نلصق بأحد هذه الحالة التي لا وجود لها على الإطلاق، الإنسان لم يولد بمركب نقص، ولكن الجهل هو من خلق هذا المصطلح التافه والمزعج، الذي لا يفترض أن نلصقه بأحد تحت الظروف كلها.