Atwasat

الوصي

صالح الحاراتي الأحد 24 ديسمبر 2023, 12:34 مساء
صالح الحاراتي

الوصاية تعني المسؤولية بالنيابة عن شخص أو مجموعة أشخاص في التصرف والقيام بأعمال معينة نيابة عنهم، باعتبار هؤلاء الأشخاص غير مؤهلين للقيام بهذه الأعمال، وأنهم قاصرون عن القيام وتدبير شؤون حياتهم، إما لأنهم دون سن الرشد وإما لخلل في قدراتهم العقلية يمنعهم من ذلك، مما يستوجب الوصاية عليهم.

الوصاية تستوجب الرقابة أيضًا على من تقع عليهم تلك الوصاية، و«الوصي» هو المسؤول تجاه الخاضعين لسلطان وصايته. وهم ملزمون بالخضوع لأوامره والاستجابة لتقديراته تجاههم. فهو الذي يقرر لهم ما يفعلون.. لأن الوصي - كما يقال - أدرى بمصلحة الموصى عليه ويعمل لمنفعته ولأجله، أو لمنعه من القيام بعمل قد يؤذي نفسه به أو غيره.

وهذه السطور لا تعني الحديث عن الوصاية على المستوى الأسرى لأيتام صغار فقدوا عائلهم ولا الحديث عن الوصاية الدولية التي كانت تفرض من دول كبيرة على دول صغيرة لم تتشكل مؤسساتها بعد، ولكنَّ حديثنا نعني به وصاية من نوع آخر، وهي وصاية أي حاكم ديكتاتور على شعبه، حيث يقوم في الحقيقة بدور «الوصي» لأنه يؤمن بأن المحكومين قُصّر وتنبغي الوصاية عليهم.. وأظن أن ذلك ينسحب أيضًا على رؤية شيخ القبيلة أو رجال الدين الذين يظنون أن الناس قُصّر وفي حاجة لوصايتهم.. أكاد أزعم أن كل سلطة سواء كانت «دينية أو سياسية أو اجتماعية» تعتبر مهمتها الأساسية توجيه الإنسان والإشراف على سلوكه والحكم عليه، وإلا ألبسوه عقدة الذنب والعار لخروجه عن «الطاعة»، وأخطر ما يتبع هذه الوصاية في هذا السياق، هو (الوصاية الفكرية) أي «تحديد أفكار وآراء وفهوم لعقائد وأيديولوجيات معينة، تُفرَضُ من قِبَل الجهة الوصية سواء كانت سياسية أو دينية، وهذا الأمر جلي وواضح ومألوف في مجتمعات معينة، حيث هناك دائمًا أناس من أهل السلطة ممن ينصبون أنفسهم أوصياء على القضايا الوطنية، ويجعلون أنفسهم في مرتبة فوق الشبهات وفوق النقد، وهم وحدهم الذين يملكون الحق في تصنيف الناس، وهم وحدهم الذين يملكون المقاييس والمعايير السليمة، والموازين الدقيقة، فالحاكم الديكتاتور يرى أنه الوحيد الذي على الرأي الصحيح ومن يخالفه ينعته بالخيانة، وعلى الناس أن ينصاعوا صاغرين لحكمه!

وكذلك يحدث في حالة من ينصب نفسه وصيًا على الدين، ويعتقد أنه وحده الذي يملك الفهم الصحيح للدين، وأنه بذلك يعطي لنفسه مكانة تجعله لا يعترف بأي فهم لا يطابق ما هو عليه رغم أنه ليس في الإسلام رجال دين، وليس هناك كهنوت وسدنة للحكمة، وأن الوصاية للأمة بمجموعها، والآمر إليها.. وهنا يأتي السؤال.. لماذا يعاملون الناس باعتبارهم قُصّرًا، رغم أنه في عصر العولمة والقفزة الهائلة في اﻻتصاﻻت والمعلوماتية والإنترنت لم تعد قنوات المعرفة محصورة ومحدودة الانتشار، ورغم ذلك ما زال هناك للأسف من يظن ويتوهم أنه بإمكانه أن يمارس دور الرقيب على العقول والضمائر الذي يلجأ إليه الناس ليؤطرهم بفهمه باعتبار أن لديه الحقيقة المطلقة.

إن فكرة الاستبداد سواء كان استبدادًا «سياسيًا أو دينيًا» تخرج من مصدر واحد، وإن كانت له عدة مسميات، وهو ناجم عن احتكار الحقيقة والصواب المطلق بينما يفترض أن يعتبر كل فرد في المجتمع نفسه جزءًا من كل، وليس وصيًا على عقول وضمائر الآخرين، ولا محتكرًا للحق والصواب...

الخلاصة أننا نحتاج إلى ذلك الوعي الذى ينتج بالضرورة إعلاء قيم التسامح والتشارك والاختلاف والتنوع وقبول الآخر، وهو الطريق إلى خلق السلم المجتمعي.

وبدون ذلك الوعى سنستمر في التشاكس والتنافر.