Atwasat

سنة جديدة لعالم في عنق حرب!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 19 ديسمبر 2023, 02:51 مساء
أحمد الفيتوري

تجذبك شاشة التلفزيون، الأخبار تتدفق متتالية عليك، خبر ينطح خبرا، والحرب سيدة الكون، العاجل يدمغك، حتى تحْوَلَّ عيناك، تحاول أن تفهم، لكن تدوخ ولا تفهم، مع نهاية العام، يدق الباب، العام الذي صُدِّر لك على أنه عام الرخاء والمنّ والسلوى، هذا العام يُقبل، وأنت تعيش في «عالم في عنق حرب».

ومثل ذا الخبر يتكرر مع كل عاجل، حيث ليس ثمة عاجل، غير أن الزملاء في قسم الأخبار، مهووسون بالعاجل، ما بعد الربيع العربي، كما كان (العقيد الليبي القذافي)، مهووسا بقولة (العالم يتقلب ولا يتغير).

الحقيقة التي تُخفيها، هذه الأخبار المتكررة، أن العالم يتغير، لذا فإن العالم في عنق الزجاجة، ومن سيمياء التغير، هذه العلامات الدالة: تكرار المشهد، التعصي والصعوبة، حالة محلك سرّ، التقدم إلى الخلف، الأنظمة الميتة الحية، كل هاته العلامات وغيرها تؤشر على أن عنق الزجاجة، المرحلة الأخيرة التي يرقص الماضي فيها رقصة الديك المذبوح.

السنة المقبلة تطل وأوضاع العالم تتعقد، مع انهيار القديم دون جديد واضح، الجديد ما لا نتبين، ما يحدث دون أن ندرك، ما تحمله الأخبار اليومية المكررة، وما أُسه أننا نعيش (عالم في عنق زجاجة). وأميركا المضطربة، تجُول في الرُقعة في حالة سكر، تقود الحرب ضد حماس بحماس لا نظير له، تتبعها بريطانيا مثل كلب ضال، كما فرنسا التي كأنها تستعيدُ عقد الستينيات من القرن العشرين، أما روسيا فغاصت في أوحال أوكرانيا، وغير هذا في العالم، من تفاصيل الحدث الأكبر: القيامة الآن.

مع إطلالة سنة جديدة يتأكد أن ما يحدث، يحدث كما جاء في رواية «كرسي الرئاسة» للروائي المكسيكي كارلوس فوينتيس، من يبدأ روايته: «اليوم وللمرة الأولى، انتصرت المباديء، ربما كهدية للجماهير المضطربة، لمناسبة حلول العام 2020 الجديد، قرر الرئيس أن يقدم شيئاً من الرضا الأخلاقي، ففي الرسالة التي وجهها إلى الكونغرس، دعا إلى انسحاب قوات الاحتلال الأميركية من كولومبيا، كما دعا إلى وقف تصدير النفط المكسيكي إلى الولايات المتحدة. وترتب على ذلك أن نُظم الاتصالات في البلد، قد قُطعت مع سائر أرجاء العالم، وأصبحوا من دون فاكسات، أو بريد إلكتروني، أو إنترنت أو خدمة هاتف، ولم يعد لديهم سوى شكلين، من أشكال الاتصال المتاحة الآن، الشفهية والرسائل، وسرعان ما يبرز المتنافسون، الذين يسعون للاستيلاء على السلطة، من خلال الرسائل التي يتبادلونها».

هذا الحدث، بنى عليه الروائي المكسيكي روايته، التي تقع أحداثها العام 2020م، وكان كتب ذلك قبل حوالي العقدين من أحداث الرواية، ولقد اعتقد أنه يتخيل، ما سيحدث في ألفية قادمة، ولم تُكذبْ مخيالَه الأحداث، وكأنما في هذه اللحظة الاستثنائية، يأتي الواقع من الرواية، حيث يتعطل كل شيء على أن يكون، فهذه العطالة السيمياء الرئيسة للتغيير، ونحن في حالة ملاحظة للظاهرة التي نعيشها، لا يمكن لنا إدراك ما تغير، تغمرنا التفاصيل ونغرق في اليمّ وكأن وضعية عالم اليوم كما عالم ما بين الحربين العظميين: الأولى والثانية.

الظرف الذي نعيش، يتجلى (ما بين بين)، حيث عالم يحتضر، وعالم يولد مصحوبا بتعسر في الولادة، ولذا ما يموت يُرى، عكس ما يُولد، وفي تقديري أن ذلك، يوضحه مسرود «كارلوس فوينتيس»، من في «كرسي الرئاسة»، سرد صيرورة النهاية، دون إشارة واضحة أو إيماء لبداية ما، وفي هذا نحن كما الكاتب، نعيش نهاية متمثلة في (عالم في عنق حرب).

بغض النظر، عما تؤول إليه الأحداث المشار إليها وما شابه، فهي جزئية في الأخير، تؤشر وتؤكد على أنها حجر في الماء الراكد، ما نتج عن الحرب الكبرى الثانية، عصر الذرة فالرقمية، وكل السرديات الكبرى، هذا العصر ما حدث فيه، مقداره وكثافته تُعادل ما حدث في التاريخ الإنساني الحديث، وقد استنفد عصارته، فأصابه الوهن وشاخ.
وهذا أُس ما فيه العالم اليوم، ما يعيش سكرات الموت، وما لم ولن يدرك ما يستجد، بقدر ما يلاحظ في سنواته الأخيرة، الماضية القريبة، من ثورات وأحداث كبرى، وعجز عن التكيف مع ما يحدث، فما يحدث أعظم من أن يدرك، من قِبل من يعيشه.