Atwasat

تكريم البشر قبل الجماد والنبات

محمد عقيلة العمامي الإثنين 11 ديسمبر 2023, 02:28 مساء
محمد عقيلة العمامي

الطبيب السوداني أمير تاج السر، الذي ذاعت شهرته ككاتب وروائي معاصر، نالت أعماله اهتماماً في الأوساط الأدبية والنقدية، وشهرة عالمية بعد أن تُرجمت معظم أعماله إلى الكثير من اللغات منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية. وصدرت له الكثير من الإصدارات الأدبية والروايات منها رواية «366» التي حصل بها على جائزة (كتار) للرواية العربية العام 2015، وكانت روايته «صائد اليرقات» وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة (بوكر) العربية 2011. كما وصلت روايته «زهور تأكلها النار» إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2018.

كان من الكتاب الذين أتابع مقالاتهم في مجلة الدوحة التي توقفت عن الصدور منذ العدد (183)، الذي صدر خلال شهر فبراير 2023. ولأنني أعرف أن أعداد الدوحة متوافرة إلكترونيا، خطر على بالي مقال له كتبه عن قرار البنك المركزي الإنجليزي بوضع صورة الروائية الإنجليزية المعروفة (جين أوستن) على ورقة الإسترليني فئة العشرة جنيهات، ولأنني لم أر لا بريطانيا، ولا الجنيه الإسترليني منذ أن تفرغت للكتابة! فقد قررت أن أعيد قراءة المقال، فبحثت عنه مستخدما: (أمير تاج السر% جين أوستن% عشرة جنيهات، فانبثق المقال تتصدره صورة الكاتب الروائي أمير تاج السر.

كنت في الواقع أريد أن أعرف كيف تناول الموضوع ومن أي زاوية أسس لرؤيته، وبالتأكيد مطلبه وهدفه من تناول هذا الحدث؟ وفوق ذلك أريد أن أعرف، بل في الواقع أنوه، متسائلا: لماذا لا ننتقي بعضا من كتابنا ونضع صورهم على أي فئة نقدية، حتى لو كانت ربع الدينار، علما أن ربع دينارنا منقوش عليه صورة فارس لا ملامح له، زمن الجماهيرية العظمى، ونخلة (ذكّار)، ونبات انقرض، وإن كان يقايض بالذهب، قبل زمن مصرف ليبيا المركزي!

أيام طوابع البريد وضعنا صورا لبعض من كتابنا على سبيل المثال، ولأنه لم يعد هناك طوابع ولا بريد بالأسس المتعارف عليها ولا حتى طوابع دمغة لماذا لا ننتقي بعضا من روادنا في المجالات كافة ونضع صورهم على أوراق النقد، ماذا لو كرمنا رموزا نعرفها جيدا في المجالات كافة؟ كأولئك الذين أسسوا المدارس الليلية، أو أولئك الذين أشرفوا على بناء مدن كاملة، أو جامعاتها، أو كلياتها، أعني، وباختصار شديد، كل الذين أسهموا في تأسيس بلادنا من النواحي كافة، ويعلم الناس أنهم كانوا والنزاهة والأمانة، وحسن السيرة والأخلاق رفاقه.

اسمحوا لي أن أنتقي لكم فقرة من مقال الطبيب الأديب «تاج السر» الذي أشرت إليه، وعنوانه: (جين أوستن على العملة) لمناسبة مرور مئتي عام على رحيلها، مُوحيا بأن نحذو حذو الإنجليز، تقول الفقرة:

«أعتقد أن مثل هذه الخطوة، ليست تكريما كبيرا لجين أوستن وحدها، وإنما للأدب والأدباء كافة، وللثقافة التي لم تعد تحتل مكانة كبيرة، ولا حتى حيزا محدودا في أذهان الناس، خاصة هذه الأيام، وما تشهده فعاليات مباريات كرة القدم مثلا، في أي زمان ومكان، من هوس وجنون وتقليعات غريبة، فاقت كل حد، يدعم تلك النظرة المتداولة حاليا: أن الثقافة بكل ما قدمته، تنتقل نحو (المتاحف)، وقريبا جدا لربما لن يعثر كاتب على قارئ يقرأ له، وكذلك قد لا يجد شاعر في أمسية شعرية مصفقا يتكبد عناء ضرب يديه بعضهما بعضا انبهارا أو مجاملة».