Atwasat

أزمة العلمانيين العرب

عبد الكافي المغربي الأحد 10 ديسمبر 2023, 07:00 مساء
عبد الكافي المغربي

لا يطال اللوم فقط الاشتراكيين العرب لتخلفهم عن استقراء التحديات المحدثة والبناء على ما تجدد في النظرية الماركسية استدراكاً أمام هزائم العقد الأخير من القرن الفائت والانصراف الناشئ لمجمل المفكرين عن المعسكر اليساري. بل إن العلمانيين العرب، والمشكلة في نقدهم تمتد إلى التسمية نفسها، هم كذلك يبدون أسباب التهيؤ لفحص مستجد لرؤيتهم وتحديد إشكالياتها واستجلاء فرصها في التحول بنا عن بؤس واضمحلال الواقع الحاضر المعاش.

العلمانيون العرب، تلك الجماعة الممزقة كل ممزق وسط محيط متدين مرتاب، توشك ريبته أن تبتلعهم، ما زالوا منكفئين في أطرهم البرجوازية المتبحبحة والضيقة في فرضهم كنموذج سياسي للتغيير أسلوب حياة وواقع انسلاخ عن التراث في طلب المعاصرة. لا يتردد العلماني العربي حينما لا يتقدم لشغل موقع سياسي أو مركز بارز في مؤسسة مرموقة عن وصف الأيديولوجيا العلمانية كشكل للعمل السياسي، وإن بقي المصطلح دلالة على وضعية مناقضة لرجل الدين لم تمثل قط موقفاً سياسياً تصاحبه رؤية اقتصادية. فإذا انطلق الرجل منهم في العهود القصيرة الأجل من الحريات النسبية إلى تلخيص تموضعه السياسي شرع بالمداورة والمحايلة، فتارة يصف نفسه بالليبرالي، في ملجأ بطابع الصفة الأقل تشبعاً بما ينفر، وأشدهم ذكاءً يتخير «الوسط» اصطفافاً ويستخلص منه مرجعية إسلامية، فهو يمثل «الوسط» في الدين، بالقياس إلى خصومهم الإسلاميين الذين سيصبون في قالب واحد.

أما الموقف العلماني المتين الذي يقبل أن يكون أقلية على ألا يفرط في مبادئه، فهو يعرض صورة التخلف العربي في التصورات ذاتها التي تعِد بقطع مراحل الحداثة في عدْوٍ زمني يكاد يخطف الأبصار. ذلك أنه يتلخص في مجرد انتصابة عنيدة خارج المؤسسة الدينية وتقاليدها شبه المؤبدة. هنا كما في الاصطفافات الحزبية «الوسطية» يمكن أن نعتبر الفلسفة الاقتصادية شديدة الافتقار.

وأخيراً فإن علمانيتنا، في سعيها المحموم، والمفضي دائماً للفاشيات، لا تني تؤكد بنوتها للقبيلة العربية بتخوين خصومها من أحزاب الإسلام السياسي القابل بالحل الديمقراطي، بل وأكثر الأطياف تقدمية في الحركة الإسلامية المعتدلة. والأخطر والأجل أنه من شأن خصومتها مع الإسلام السياسي ودأبها على رسم الطيف السياسي «المشروع»، امتداد مرارتها إلى الخطاب العام إزاء الدين. فذاك علماني يصف التاريخ الإسلامي بالمرعب، كأن الرعب حكر على الإسلام من دون الأديان الأخرى أو البربرية الأولى أو حتى إرهاب الإلحاد، والآخر يشبع المشاعر المعادية للعرب في الغرب بالحكم بالمطلق على الإسلام بامتناعه عن الإصلاح.