Atwasat

الخُسران من باب «كلٌّ لنفسه»

نور الدين السيد الثلثي السبت 09 ديسمبر 2023, 09:37 مساء
نور الدين السيد الثلثي

من فلسطين البداية
بانتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في 4 مايو 1948 أعلن اليهود قيام دولةٍ لهم فيها، واندلعت الحرب بينهم وبين مصر وسورية والأردن والعراق. ذهب ضحيةَ تلك الحرب ما يُقـدّر بـ15ألف شهيدٍ فلسطيني وما بين 3700 و7000 شهيدٍ من الجيوش العربية وشُـرِّد مئات آلاف الفلسطينيين فيما عُرف بالنكبة. أصبح تحرير فلسطين وعودة الفلسطينيين القضيةَ المركزية للأمة، وعنوانًا لحروب وتنظيمات على مدى ثلاثين عامًا انتهت مع بداية التحوّل الكبير سنة 1978.

بدأت سنة 1978 حِقبة اعتراف العرب بهزيمتهم وبشرعية الدولة اليهودية في فلسطين، وما يعنيه ذلك من إنكارٍ لكوْن فلسطين وطنًا للفلسطينيين. أسمَـوْه تطبيعًا؛ انخرط فيه عدد من الدول العربية تباعًا. اختفت كلمة فلسطين من معاجم مفردات الأنظمة، وتَواصَل العمل على توسيع دائرة الاعتراف بالدولة اليهودية، من خمس دول ومنظمة التحرير الفلسطينية (تحرير ماذا؟ لنا أن نسأل) بانضمامٍ مرتقَبٍ لأكثر من دولة عربية من بينها السعودية، وليبيا إذا ما تركنا جانبًا وصف لقاء روما بأنه كان لقاءً عابرًا بأحد مقاهيها. الهدف المأمول هو الإجهاز على شيء اسمه القضية الفلسطينية وأن يصبح «ما فيش حد - من العرب - أحسن من حد».

عمليةٌ صادمة فكذبٌ وانتقام

غزة، بسكانها الذين يبلغ عددهم مليونين وثلاثمائة ألف نسمة، واقعةٌ تحت حصار شامل منذ أكثر من 15 عامًا كان لا بدّ أن يُرفع أو يأتي وقت يتحدّاه فيه المحاصَرون بالشكل المتاح لهم. وبالفعل، قام نفرٌ من الفلسطينيين بعمليةٍ مسلّحةٍ خارج حدود القطاع غيّرت الواقع السياسي في المنطقة تغييرًا كبيرًا وأفسدت مشروع توسيع دائرة الاعتراف، ولو إلى حين.

انطلقت حرب الانتقام الإسرائيلية ضمن تحالفٍ ضمّ الولايات المتحدة الأمريكية ودولًا أوروبية. كانت البداية هنا أيضًا بالكذب. من منصّة سيد البيت الأبيض نفسه تردّدت رواية قطع الفلسطينيين لرؤوس أربعين طفلًا؛ أكد رئيس الحكومة الإسرائيلي صحتها، و«شاهد» الرئيس الأمريكي شخصيًا صورًا لها. نفى البيت الأبيض لاحقًا أن المسؤولين الأمريكيين والرئيس الأمريكي شاهدوا مثل تلك الصور، وأُسدل الستار على الرواية بإعلان الحكومة الإسرائيلية نفسها عدم القدرة على تأكيدها.

استُشهِد في هذه الحرب الانتقامية أكثر من 16 ألف فلسطيني من بينهم أكثر من ستة آلاف طفل، ولا تزال الحرب مستمرة. ليست هناك مبالغة في وصف هذه الحرب بالنكبة الثالثة - بعد نكبتيْ 1948 و1967- وقد تجاوز عدد شهدائها شهداء كلٍّ من الحربين السابقتين، ولم تنته بعد. 

ادّعت إسرائيل بأن الفلسطينيين ارتكبوا في هجومهم يوم 7 أكتوبر جرائم عنف جنسي، وكأن عمليةً عبَر فيها المقاتلون حدود دولة معادية، وتعاملوا مع قواتها المسلحة، وعادوا بأعداد من الأسرى، يمكن أن تتّسع لجرائم من هذا القبيل. نشرت رئيسة لجنة التحقيق الإسرائيلية صورةً للتدليل على صحة الادعاء بارتكاب تلك الجرائم، تَـبيَّنَ أنها مزيَّـفة. في هذا التزييف مؤشر لزيْف هذه الرواية أيضًا، أسوةً بسابقتها.

الجديد
بالرغم من شراسة الحرب الجارية، وأعداد ضحاياها التي فاقت أعداد ضحايا كلّ واحدةٍ من الحروب العربية الإسرائيلية السابقة، انفردت إسرائيل بغزّة من دون مشاركة أي طرف عربي آخر. على العكس من ذلك، يوجد شكٌّ في أن أنظمةً عربيةً قد تكون مرتاحة إذا ما انتهت الحرب بالقضاء على الطرف العربي فيها، حماس. 

هذه السابقة لا تبشّر بخير، ففيها مَثـلٌ لما قد يكون عليه حال أي قطر عربي إذا ما تعرّض للعدوان، وإن ارتقى إلى حرب إبادة. التفكك العربي تحت مبدأ «كلٌّ لنفسه» لن يفي بالحدّ الأدنى لمنَـعَة أي قطر، كبُر أم صغُر، في مواجهة المخاطر والأطماع في منطقتنا العربية.