Atwasat

الأمم المتحدة حائط مبكى!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 28 نوفمبر 2023, 03:10 مساء
أحمد الفيتوري

تتابع الأمم، منبر الأمم المتحدة بعدم اهتمام مضطرد، وتعتبرها مكلمة للزعماء أو من ينوب عنهم، ويرونها جمعية أسفلها كل الضعفاء والمغبونين، فيما أعلاها صرح الكبار، أو القوى الكبرى، التي تتصارع، على حصة من الهيمنة والسيطرة على أسفلها. حتى باتت مهمة هذه الجمعية، أن تكون مبكى الصغار وفيتو الكبار، وقد شاخت هذه المنظمة يوم ولدت، وتحولت عند موظفيها إلى فرصة، للحصول على مرتب كبير بالدولار، وحصة من الهبات التي تُجمع للدول الفقيرة، وهذا جعل منها منظمة الفضائح، ووسيلة للاستغلال.

ولم تتابع الأمم، المنظمة التي يقال إنها الأمم المتحدة، باهتمام، كما تابعتها يوم طرق منبرها «نيكيتا خرتشوف» بحذائه، الزعيم السوفييتي الأحمق، من أراد أن يهدد ويتوعد بحذائه، لم يكن يعرف جيدًا، أن الاتحاد السوفيتي أيضا إمبراطورية كلام (أيديولوجيا). وقد تابعت الأمم أيضًا، المشهد الكوميدي الذي قام به «العقيد معمر القذافي» قائد الجماهيرية العظمى! حين مزق ميثاق الأمم المتحدة، ومن على منبرها رمى به على الحائط.

لكن هذا مؤشر ضئيل، أمام المؤشر الأبرز: أن مؤسسي المنظمة، كانوا في حقيقة أمرهم، يُرِيدُونها مؤسسة تسهل إدارة العالم والهيمنة عليه، ولما كانت القوى الكبرى بطبيعتها قوى متصارعة، فإن ما آلت إليه عصبة الأمم، حصل مع وريثتها الأمم المتحدة دون إعلان، أي أن الوريثة ولدت لـ«تشرعن» إرادة القوي، ما كان الولايات المتحدة، خلال عمر الأمم المتحدة.
ظلت الأمم المتحدة، منذ وضع حجر أساسها، في أربعينيات قرن الحروب الكبرى، منبرًا لخطب السلم، فيما مجلس الأمن تنفرد به الدول الكبرى، كمنبر للقرارات، والفيتو ما يرفع لقتل قرار ما، وفي هذه الأجواء، باتت الأمم المتحدة ومجلس أمنها، كطاولة مستديرة لإدارة الحرب بالوكالة، في عقد الستينيات كثور أهوج، خبط خرتشوف الزعيم السوفييتي، على منبر الأمم بحذائه، وبهذا أفصح عن مهمة منظمة الأمم المتحدة، حيث ساعتها كانت آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، غارقة في حروب بالوكالة، مازالت ذيولها تجرجر حتى الساعة.

زال الاتحاد السوفييتي، فتغير مفهوم الحرب الباردة، باتت الولايات المتحدة شرطي العالم، فتضعضع حال الأمم المتحدة، ما بات المراد منها، أن تكون منظمة الولايات المتحدة، لكن سقوط الاتحاد السوفييتي أظهر انقسامات أوسع في العالم، فالعالم الثنائي تعددت قواه الأكبر، ودخلت المجالَ النووي دولٌ عدة، وعدت الدول الاقتصادية القوية دولًا كبرى، ومن أثر ذلك زالت ضغوط على قارات العالم ما عرف بالعالم الثالث.

لقد أنهيت مع الحرب الباردة الحرب بالوكالة، في العالم الثالث، واستبعد من هذا قلب العالم: الشرق الأوسط، كقلب مُتبقٍ لخوض الحروب بالوكالة، ووضع مفهوم جديد للحرب الباردة، عُرف بالحرب ضد الإرهاب الدولي، فالإرهاب أمسى دوليًا، في تحويل حاذق لمفهوم إرهاب الدولة، ما وُصمت به الولايات المتحدة لعقود بين الخمسينيات والثمانينيات، وكذا وصمت به إسرائيل في تلك الحقبة.

والغريب أن طوال عمر، هذه المنظمة الدولية، تحول منبرها إلى شكوى ما عرف بدول العالم الثالث، ما تشتكي الدول الكبرى من شكاويه، فيما القضايا المشتركة جعلت من هذا المنبر كما بنك للقلق على العالم، فيما الدولة الكبرى المؤسسة: الولايات المتحدة، قلقلة من مسار المنظمة، ومن أنها تحولت إلى منبر للشتم والتعريض بالولايات المتحدة، أما المنظمات التابعة لها كاليونسكو ومنظمة الصحة، فترى الولايات المتحدة أنها وكر لأعدائها، ولهذا هددت بالانسحاب منها بل وقلصت من دعمها، وهكذا وكأن الأمم المتحدة، اتحدت لتشكو من تمظهر هذا الاتحاد المنبري.

كل سبتمبر، وبمناسبة الاحتفال بتأسيس هذه المؤسسة الدولية الكبرى، 24 أكتوبر 1945م، يتبادل زعماء العالم منبرها، ليبدوا قلقهم من مصير العالم، وليبشروا بأن قلقهم يزداد، ومن خلال المنبر الأممي، يرددون جمعًا لأزمة السلم العالمي، على مقام نهاوند أو السمفونية الخامسة لبيتهوفن، لا يهم فالمقام المبكى، واللحظة الحزن والقلق على نهاية العالم القريبة.

لكن الأغرب، أن منبر الأمم المتحدة مازال محافظًا على حاله، حتى والمصاب عظيم، فالأمم المتحدة حريصة كل الحرص، على أن تكون بنك القلق، ولهذا لا يفتأ الأمين العام للأمم المتحدة من إبداء قلقه، في كل مناسبة أو لا مناسبة، ما بالك ما بعد تحول منبر الأمم المتحدة العتيد إلى مجرد برنامج تلفزيوني تحت مسمى «بنك القلق»؟

والأغرب من الأغرب، أن البشر يعملون ويكدون، لتأسيس منظمات وجمعيات، لتضمهم وتوحدهم في القلق على حالهم، والشكوى من هذه المنظمات والجمعيات القاصر، والتي يشدون عليها بالنواجذ. وما دمنا في موال «بنك القلق»، فأذكر في طفولتنا كانت تجمعنا لعبة «بنك السعادة»، وكأن الكبار استعاروا تلكم اللعبة، لكن باعتبارهم كبارًا، فإنهم جعلوا من اللعبة «بنك القلق» على سعادة العالم!.