Atwasat

«السيف الذهبي»

محمد عقيلة العمامي الإثنين 27 نوفمبر 2023, 01:22 مساء
محمد عقيلة العمامي

ارتفعت وتيرة ضغط التكنولوجيا، تماما مثلما تطورت مكابس سيارات سباق «الفورمولا 1»، فتسارع نظام حياتنا. أصبحنا نراقب رسائل بريدنا الإلكتروني والمعلومات المتدفقة إلينا باستمرار، ونتعلم منها، ونرد عليها طول الليل والنهار. ولعل معرفتنا أن تداول الأسهم في الأسواق الأميركية وصلت حركته أكثر من 70% من خلال أجهزة الكمبيوتر وشبكات التداول الإلكترونية جعل الأشخاص الذين يعملون في قاعة بورصة نيويورك، على سبيل المثال، غير ذوي صلة بهذا النشاط ومغباته ونتائجه، فتحول بعضهم لتسويق أوراق اليانصيب!.

والناس يهرعون إلى مطاعم الوجبات السريعة، ويستقون أخبار هذا التداول من رسائل النت القصيرة، وقد ينتقون في الوقت نفسه معلومات جديدة عن الحصان الذي سيراهنون عليه!.

«فرانك بارتنوي»، وهو أستاذ القانون في كلية الحقوق كاليفورنيا (بيركلي) المدير المؤسس لمركز قانون الشركات والأوراق المالية في جامعة «سان دييغو»، وأيضا باحث في تعقيدات التمويل الحديث بالأسواق المالية، يقول في كتابه «الانتظار: فن وعلم التأخير»: «النتائج الأفضل ستكون في انتظارنا إذا قمنا عن وعي، أو دون وعي، بتأخير اتخاذ القرارات».

وأنا أريد أن أحدثكم عن مقالة ظريفة، تخالف رأي أستاذ القانون هذا! عنوانها «فن التأجيل». لكن قبل تناولها، أريد أن أقدم لكم صديقين عزيزين ارتبطت معهما بعلاقات وثيقة. أحدهما سافرت معه، ذات مرة، بعربته في رحلة من بنغازي إلى تونس العاصمة، فوصلناها بعد ستة أيام!. كنا قد تأخرنا في مغادرة بنغازي، فتناولنا قهوتنا في «قمينس»، وتغدينا في «البريقة»، ووصلنا سرت قبيل المغرب، فقال لي: «يا أخي.. لقد اقترب المغرب، وأعتقد أنه من الأفضل أن نقضى الليلة في سرت، وصباح الغد نمر على فلان..»، ومررنا عليه وتغدينا عنده، بل قضينا الليلة معه!، وتكرر الأمر في مصراتة، ثم في طرابلس وزوارة، ثم «قابس». والخلاصة أننا وصلنا تونس العاصمة بعد ستة أيام!.

وكنت قد سافرت إلى تونس بسيارتنا رفقة صديق آخر، فتناولنا إفطار اليوم التالي في فندق أبونواس بتونس العاصمة. هكذا حال صديقي كل تصاريف حياته تتسم بـ«الروقان»، ومن مقولاته الخالدة: «إن الله خلق الوقت أكثر بكثير مما نحتاجه.. فلماذا الاستعجال؟!».

ولي صديق آخر على النقيض منه، إذ أذكر أنني حدثته مرة عن شخص أعرفه، وجاهدت كي أحسن وصفه، ليتذكره ويتعرف عليه، ولكنني لم أفلح. وعندما أخبرته بأنه يجلس في العادة أمام محل «فلان» في العشية، وكان الوقت عشية، نهض وقال لي متأهبا: «هيا نذهب إليه الآن»!، فقاطعته: «محل فلان في دكاكين حميد»، فقاطعني: «سيارتي معي.. هيا»!.

لم تكن معرفته هذا الشخص مهمة أو ملحة، ولكن هو من النماذج التي لا تحب تأجيل حتى الأخبار المزعجة!. لقد خطرا عليّ هذان الصديقان، بينما أقرأ المقال الذي أشرت إليه، ولأهميته إليكم خلاصته:

التأجيل سبب رئيسي في دخولك مربع «خداع النفس»، وتأخير تحقيق التقدّم في مسيرتك الحياتيّة والمهنية، والتأجيل هو محاولة إقناع نفسك بتأجيل عمل بمقدورك أن تنجزه في الحال إما بسبب حرارة ذلك اليوم، أو بسبب كسل طوقك بذراعيه، ويزين لك أن تفعله اليوم التالي، وقد تؤجله اليوم الموالي أيضا.

في كتاب «افعل الآن» لعالم النفس «وليم كناوس - William Knause»، يقول: «في وسع الإنسان التخلص من عادة التأجيل التي تمتص طاقته وأحاسيسه ووقته..»، لأن خطورة التأجيل تُدخل الإنسان في دائرة مغلقة أو ما يسميها البعض «دائرة الجحيم»، فأنت تشعر بأنك بحاجة للإنجاز، ولكنك تحاط بمقاومة داخلية للتأجيل، وبالتالي تُفوت الكثير من الفرص، مما يجعلك فريسة للتآكل والوهن والإحساس بالذنب، والبقاء في دائرة محبطة دون النفاذ منها.

ويرى كناوس أن هذا التأجيل سببه الخوف، وعدم الثقة في النفس. إن تفاقم هذه الحالة يؤدي إلى القلق، وانقباض النفس، ويمهد الطريق نحو إدمان الكحول، والمخدرات أيضا. ويقول أيضا إن الذين يؤجلون واجباتهم من أعمالهم اليومية يشعرون بعدم ثقتهم في أنفسهم، وهذا ما يعرقل عملهم، وهم في الغالب يتميزون بقدرة عجيبة على خداع أنفسهم. وعلى المرء الذي يريد أن ينتصر على ضعفه، ويستعيد ثقته في نفسه، أن يحدد أهدافه، ويجعل منها مسارا للتنفيذ لا للتأجيل.

والمضحك أن عالم نفس اسمه «ألان لاكين» يقول: اجعل التنفيذ كصناعة جبن «إمنتال»، وهو المعروف عندنا في ليبيا بـ«جبنة الفار»، حيث إنه ممتليء بالثقوب، ولكنه جيد واشتهرت به سويسرا، وفي النهاية حقق المراد. ويقول أيضا: «إن من يَنْسَابْ وقته من بين يديه تفلت حياته، كذلك، من بين يديه، ومن يحكم قبضته علي الوقت يمسك زمام حياته بيده». كما يقول: «الوقت حياة، وعندما تعطي لشخص جزءاً من وقتك، فإنك بالتبعية تعطيه جزءاً من حياتك».

ألان لاكين (alan Lakein) هذا مؤلف أميركي متخصص في تنظيم الوقت، وله كتاب «كيف تتحكم في وقتك وحياتك» الذي بيع منه أكثر من 3 ملايين نسخة. والخلاصة أن الوقت سيف من ذهب عيار 24، إن لم تحسن استخدامه يقطعون به رأسك!.