Atwasat

حل فلسطين.. حل إسرائيل

أحمد الفيتوري الثلاثاء 21 نوفمبر 2023, 03:38 مساء
أحمد الفيتوري

عقب كل مذبحة ترتكب ضد الفلسطينيين، تعلو فوق صوت المعركة، دعاوى حل المسألة الفلسطينية، على أساس أنها السبب والنتيجة، ففلسطين مجرمة في العرف الدولي، وكل جريمة ترتكب في حقها دافعه الأول والأخير فلسطيني. إذاً المسألة الفلسطينية الجرثومة التي تشكل الخطر الجسيم على البشرية، ومن هذا كل فلسطيني إرهابي، لأنه يدّعى أنه يدافع عن حق الوجود، وجوده هو من لا هوية له ولا بلاد، أي لا وجود له على الجغرافيا ولا في التاريخ. وعلى هذا هناك نوع من الإجماع، لدول العالم والأمم المتحدة، على المستوى الفعلي وليس عند لغو الكلام.

ومن هذا المعطى فإن الولايات والأمم المتحدة، تبتغي بعد كل مذبحة، ثم تزعم أنها ستمن بدولة فلسطينية، على بعض من أرض تتنازل عنها الدولة اليهودية/إسرائيل، بفضلها لروحها الإنسانية التاريخية، ومنة من مجتمعها الديمقراطي والحقوقي الإنساني النموذجي. هذه الأنساق التي لا يشوبها الباطل! مقاربة متماسكة لحل المسألة الفلسطينية، ينزاح عنها المجتمع الدولي للرفض الفلسطيني الإرهابي، ما يزيف الجغرافيا والتاريخ. وإذا الحلّ على طاولة مجلس الأمن الدولي، أي متوفر بالقوة وليس بالفعل لدواعي الرفض الفلسطيني، من لم تكن له دولة ولا حتى وجود، وفي كنف حقوق الإنسان والأمم المتحدة يزعم بغير ذلك، وتحت هذه المظلة وعقب كل مذبحة ترتكب ضد الفلسطينيين، تعلو فوق صوت المعركة، دعاوى حل المسألة الفلسطينية، بمنحة من العالم المتحضر: دولة دون سلاح، لمجموعة مختارة من الأراضي والبشر.

ولعل اتفاق أوسلو كان بمثابة التجربة التي لم تحقق المراد.

إن إسرائيل الدولة الدينية اليهودية، التي لا مثيل لها في العالم الحديث، مستبعدة من المشكل المدعو المسألة الفلسطينية، وكأنها حقيقة تاريخية مجردة فهي خارج المكان، إسرائيل لا تجول في الرقعة البتة، لأنها فوق الجميع والمعطيات، وليست من أنساق الشرق الأوسط بحر الدم ومرتع الحرب والموت. إن فلسطين مسألة شرق أوسطية، في مجتمعات القرون الوسطى، وإسرائيل تنتمي للغرب وللديمقراطية، وتنزاح بهذا عن جغرافية الشرق المتوسط، تقع تحت طائلة العدوان، لأن الإرهاب أعمى ليس إلا. فإسرائيل دولة في حالة دفاع تحت وابل من شرر الشرق الأوسط.

إسرائيل دولة في الواقع كما فلسطين فكرة سادية مجنونة، والولايات والأمم المتحدة لا يمكنهما الاستسلام لفكرة عدوانية، مصاب بها ثلة من البشر يدعون بالفلسطينيين. أما حلّ الدولة الفلسطينية فهو اللاحلّ، الذي كما الجزرة المربوطة في رقبة الحمار، ما يظهر ويتبين عقب كل مذبحة ضد الفلسطينيين، فالدولة الفلسطينية من المستحيلات الأربعة، لأن بنية الدولة اليهودية بنية مغلقة محكمة، بأنها أرض الميعاد، ما منحها يهوه لليهود شعب الله المختار، ويكفل وجودها أوربيون يهود جرى نفيهم في هذا الجيتو المسمى إسرائيل، ما هو دولة أمنية تتصدع في حال استقر وضعها، وفي غير ذلك دولة شمشون من هدم المعبد على رأسه، إن إسرائيل دون عدو وحرب لا هوية لها ولا وجود.

دولة فلسطينية، الجزرة التي يلوح بها العالم، ما يعرف جيدا استحالة وجودها، وعلى الأرض تمت تجربة إنشاء هذه الدولة في الضفة الغربية وغزة، عبر اتفاق اوسلو، الذي كان بمثابة إسفين دُق من قبل إسرائيل، ما دعمت الفصل الجغرافي وحماس، ضد السلطة المركزية في الضفة، التي جعلت منها لا حول لها ولا قوة. وهذا هو ما نجح فيه نتانياهو، فحصل على أطول مدة كرئيس وزراء، في الدولة الصهيونية الدينية المتطرفة.

ما تقدم المحصلة، وباعتبار كل محلل سياسي ضارب ودع، فخير من هذا وذاك الشعراء، ومنهم «بريخت»، الذي يقول في قصيدة شهيرة له، كتبها عقب الحرب الأوروبية العظمى الثانية:
أنتم يا من ستظهرون
بعد الطوفان الذي غرقنا فيه
فكروا
عندما تتحدثون عن ضعفنا
في الزمن الأسود
الذي نجوتم منه
كنا نخوض حرب الطبقات
ونهيم بين البلاد
نغيّر بلدًا ببلدٍ
أكثر مما نغيّر حذاءً بحذاء
يكاد اليأس يقتلنا
حين نرى الظلم أمامنا
ولا نرى أحدًا يثور عليه
نحن نعلم
أن كرهنا للانحطاط
يشوّه ملامح الوجه
وأن سخطنا على الظلم
يبح الصوت
آه، نحن الذين أردنا أن نمهد الطريق للمحبة
لم نستطع أن يحب بعضنا بعضًا
أما أنتم
فعندما يأتي اليوم
الذي يصبح فيه الإنسان صديقًا للإنسان
فاذكرونا و سامحونا.