Atwasat

وقفة تاريخية على باب فلسطين!

سالم الهنداوي الخميس 26 أكتوبر 2023, 06:56 مساء
سالم الهنداوي

.. كُل حدث جديد على الساحة الفلسطينية هو بالتأكيد نتاج طبيعي للأحداث التاريخية السابقة، بكُل حيثيّاتها وتداخلاتها وتفسيراتها بالتوقّعات المنظورة وغير المنظورة وبكُل ما خفي حولها، فتاريخ الصراع الطويل في الأرض المحتلة كان دائماً مشفوعاً بدلالات حتمية استمراره مهما هدأت الأرض في دمها ومهما طفح وهم "السلام" في مراحله.

كُل حدث أخير هو مسمار جديد في نعش الأزمة رهينة "المعتقد الديني" التوراتي وبوصفه الإنجيلي وأحكام التنزيل القرآني لبني إسرائيل وشتاتهم في الأرض، فما جمعت "أرض الميعاد" في "فلسطين" سوى موتاها في المُعتَقد الديني، وهو الانتحار اليهودي على "حائط المبكى" ندماً وعقاباً على فقد "هيكل سليمان" المزعوم، وهو الحافز الديني الذي اعتمدت عليه الحركة الصهيونية في استدعائها للمشرّدين اليهود إلى "أرض الميعاد" مكان لقائهم وزوالهم، وهو المكان الكنعاني الحجة دون البرهان لفكرة الاحتلال والسيطرة الصهيونية بوثيقة وعد "بلفور" الاستعمارية، في وقت كانت فيه فلسطين، قبل الحجّة، مكاناً بديلاً لاستيطانهم عوضاً عن أرض "اذربيجان" التي لطالما كانت موطناً لمجموعات عرقية مختلفة، منها "يهود الجبال" أحفاد اليهود الذين هاجروا من بلاد فارس إلى جبال القوقاز منذ مئات السنين، وكذلك أرض "الجبل الأخضر" في ليبيا التي تغاضوا عنها بديلاً بسبب شُح المياه.

لن نقف كثيراً عند تاريخ الروايات اليهودية المزيّفة ومعتقدهم الديني بأرض "كنعان" مكاناً تاريخياً موعوداً، فيما العلامات الدّالة على التزييف التاريخي تؤكد حقيقة تواجد المعالم المستوحاة من التوراة في الحضارة اليمنية القديمة وبأسمائها التاريخية كـ "أورشليم" التي لا تعني "القدس" وإنما جبل في اليمن.. ويُحسب للباحث العراقي "فاضل الربيعي" مقارناته البيّنة في كتابه "القدس ليست أورشليم" الذي صدر منذ أكثر من عشر سنوات على أساس أن التوراة لم تذكر اسم القدس قط ولا بأي صورة من الصور، كما أنها لم تسجِّل اسم أورشليم بوصفها هي القدس.. إن أكذوبة تماثل الاسمين وأنهما يعنيان المكان نفسه هي من مختلقات اللاهوتيين.

ويعود "الربيعي" في كتابه القيّم لإثارة المسألة من منظور جديد يستند إلى النقوش والسجلّات الآشورية، وهي المصدر الموثوق، فيقول: لقد سجّلت هذه النقوش اسم "قدس-قدش" كاسم لجبل ضمن جغرافيا جبلية محدّدة، كما سجّلت اسم أورشليم كمدينة دينية يهودية في جغرافيا أخرى مختلفة، وهذا يعني أننا أمام اسم جبل في مكان، وأمام اسم مدينة في مكان آخر؟!.. ويضيف "الربيعي": ولعلّ القراءة الجديدة التي أقدِّمها لهذه النقوش ستكشف بجلاء كيف تلاعب التوراتيون بالتاريخ والجغرافيا، فهذه النقوش تسجِّل أخبار الحملات الآشورية على اليمن وليس في فلسطين!.

لقد عَمَد "اليهود" خلال أكثر من سبعة عقود من الاحتلال والاستيطان المركّب إلى تزييف الحقائق التاريخية.. لكن ما يهمنا ليس جوهر الحقائق التاريخية المنافية للرواية اليهودية، وإنما الإلمام بالحركة الصهيونية التي عملت على تزييف التوراة وتسخيرها لصالح البقاء بالقوّة لإقامة دولة دينية لليهود على أرض فلسطين التاريخية.

خلف السياسة كانت الأحزاب الدينية المتطرفة في "إسرائيل" مثل "شاس" و"حريديم" تعمل على رسم الاستيطان من النهر إلى البحر، فيما السياسة بأحزاب إئتلاف اليسار مثل "الليكود" و"كاديما" تراوغ مع الفلسطينيين و "العرب" في مشروع سلام وهمي يعتمد على فكرة حل الدولتين.. ولا ننكر سياسياً أن مبادرة السلام العربية في "قمّة بيروت" عام 2002 كانت أهم مبادرة يمكن أن يعتمد عليها العرب في مستقبل المفاوضات والكسب السياسي الدولي قبل استعجال النتائج والتورُّط في اتفاقات ثنائية للحوار والتطبيع الأحادي، ونتيجة لهذا "الاستسلام" ظلّ المشروع العربي مشلولاً دولياً بخروقات مفاوضات ضعيفة قابلتها حروب طاحنة في "قانا" و"غزة" ضاعفت من الصراع بضياع الحق الفلسطيني تحقيقاً للإرادة الصهيونية بدوافعها الدينية، وهزيمة للإرادات العربية التي خسرت الحرب والسياسة معاً، وكانت النتيجة إن احترقت فُرص السلام بحرب الإبادة على غزّة.