Atwasat

مشاهير العرب ونُصرة غزة

إبراهيم حميدان الخميس 26 أكتوبر 2023, 03:35 مساء
إبراهيم حميدان

حظي اللقاء الذي أجراه المذيع البريطاني "بيرس مورغان" مع الفنان المصري الكوميدي "باسم يوسف" الثلاثاء الماضي بمتابعة واسعة من قبل جمهور القنوات الفضائية وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وكان التفاعل الإيجابي كبيرا مع اللقاء من خلال تعليقات الجمهور على تلك الصفحات، وأكد العديد من المعلقين أن "باسم يوسف" نجح في تفكيك السردية الإسرائيلية التي يتبناها الإعلام الأمريكي والغربي في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي يختزل هذا الصراع في هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، متجاهلا جذوره الممتدة إلى عشرات السنين استخدمت فيها قوات دولة الاحتلال كافة وسائل البطش والتنكيل الوحشي بالشعب الفلسطيني.

تحدث "باسم" باللغة التي يتحدث بها الغرب، باعتباره مواطنا مصريا/أمريكيا يعيش هناك منذ سنوات طويلة ويعرف كيف يتعاطى مع العقل الغربي، فاعتمد في حديثه مع "مورغان "على سلاحه الذي يُتقن استعماله جيدا، سلاح السخرية السوداء والتهكم القائم على الحجة المنطقية والمعرفة العميقة بالقضية الفلسطينية الأمر الذي أربك "مورغان" وعجز عن مجاراته وهو المذيع المتمرس وصاحب التجربة الطويلة في مثل هذه المقابلات. وأشاد عدد كبير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بردود "باسم" المُتقنَة على كافة أسئلة المذيع البريطاني التي كانت تتضمن تعاطفا مع السردية الإسرائيلية، فاستطاع دحضها بطريقة ذكية، وكان الحوار أشبه بمباراة بين فريقين تفادى فيها الفنان الكوميدي مقاطعة المذيع له من خلال اعتماده على السرعة في طرح الأفكار ليربح في النهاية الجولة. وقد حققت هذه الحلقة من البرنامج أكثر من 16 مليون مشاهدة خلال ثلاثة أيام ما اعتبرها "مورغان" المقابلة الأكثر مشاهدة في تاريخ برنامجه على قناة اليوتيوب.

كيف نكسب الرأي العام الغربي
جاء هذا اللقاء ليقدم إجابة عملية على سؤال ظل يتكرر باستمرار: كيف لنا أن نُسمِع صوتَنا للمواطن في أمريكا وأوروبا كي يُدرِك صورتَنا كما نحن عليه وليس كما هي عليه الصورة المشوهة التي قُدِّمت إليه عبر الآلة الإعلامية الغربية الهائلة التي زيفت الحقيقة؟
كيف نعمل على كسب الرأي العام الغربي إلى جانب القضية الفلسطينية العادلة ليضغط على حكوماته كي تغير موقفها منها؟

الرأي العام الغربي مايزال ضحية لأكاذيب الدعاية الإسرائيلية والإعلام الغربي المنحاز للرواية الإسرائيلية للأحداث التي تجري في غزة، والمواطن في أمريكا والغرب مازال بعيدا عن فهم خلفيات وجذور هذه الأحداث المأساوية. نعم، لقد خرجت مظاهرات في أمريكا وأوروبا خلال الأسبوعين الماضيين لتأييد الفلسطينيين وما يتعرضون إليه من حصار خانق على غزة وقصف مستمر ينال المدنيين الأبرياء من نساء وأطفال، ولكن الغالبية العظمى من الناس في الغرب لا تصلها الرواية الفلسطينية، لأن هناك حملة إعلامية مسعورة ضد الفلسطينيين تستهدف تصويرهم على أنهم كائنات متوحشة خارج دائرة الإنسانية، يذبحون الأطفال، ويغتصبون النساء، وهي الرواية المروِّعة التي اكتسحت الملايين في أمريكا والغرب بعد أن رددها الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أمام شاشات التلفزة العالمية، وأعادت نشرها صحف كبرى في واحدة من أكبر الأكاذيب الإعلامية التي كشفت بؤس الإعلام الغربي وعرّت من مصداقيتَه وموضوعيتَه المزيفة، وفضحت تحيّزه الصارخ إلى جانب القاتل ضد الضحية.

مساهمة "باسم يوسف" عبر هذا اللقاء التلفزي تقدم نموذجا لدور المشاهير العرب في مجالات الفن والرياضة والثقافة والفكر والأدب، وخاصة المشهورين منهم في الساحات الغربية والأمريكية في التعريف بالقضية الفلسطينية، وتوضيح أبعادها، وكشف أكاذيب الرواية الإسرائيلية لجمهورهم الواسع في الغرب الذي يعرفهم ويتابعهم باعتبارهم نجوما مشاهير في مجالاتهم وبالتالي هم مؤثرون في الرأي العام الغربي يستطيعون أن يصلوا إليه ويقدموا له الصورة الحقيقية لمأساة الفلسطينيين في غزة.

وإذا كان "باسم يوسف" قد حظي بإشادة واسعة من قبل المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى صفحات الصحف نتيجة هذه المقابلة، فإن اللاعب المصري "محمد صلاح" نجم فريق "ليفربول" الشهير نال المدة الماضية انتقادات لاذعة من قبل شريحة واسعة من الجمهور نتيجة ما اعتبره الكثيرون تقاعسا عن نصرة الشعب الفلسطيني في محنته ونكبته الجديدة، وكان هؤلاء المنتقدون يعولون على أمثال "محمد صلاح" في توظيف شهرتهم العالمية، ونجوميتهم الواسعة لصالح الفلسطينيين ويساهمون في تبديد التشويه الذي يتعرضون له من قبل وسائل الإعلام الغربي.

وبعد مرور أسبوع على انطلاق عملية " طوفان الأقصى" وتزايد احتجاجات جمهور وسائل التواصل الاجتماعي ضد هذا اللاعب أعلن عن قراره التبرُّع لمؤسّسة الهلال الأحمر المصرية، بمبلغ مالي (لم يذكر الرقم، وربما يكون كبيرا)، لتوفير مُساعدات إنسانية لغزَّة، ثم وبعد مرور أسبوع آخر نشر فيديو على منصة أكس يُعرِب فيه عن دعمه للقضية الفلسطينية، لكن لا الدعم المالي، ولا الفيديو نجحا في احتواء الغضب والسخط المتصاعد ضده من قبل الجمهور الذي كان ينتظر من اللاعب العالمي الإعلان عن موقف أكثر وضوحا يعكس إدانته للمعتدين الإسرائيليين وتضامنه مع مأساة أهالي غزة الذين يتعرضون إلى عملية إبادة جماعية من خلال عمليات قصف يومي أدت إلى سقوط ما تجاوز 5000 من الأبرياء ودمار عام لم يتوقف لا عند المستشفيات ولا مباني وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية والإقليمية.

واعتبر بعض المعلقين على فيديو "محمد صلاح" أنه لم يتضمن مناصرة حقيقية لأهالي غزة وإنما هي مناشدة عامة وعائمة غابت عنها الحقيقة.
وقد يكون السبب في ذلك خوف "محمد صلاح" من العقوبة التي طالت لاعبين آخرين أبدوا تضامنهم مع الفلسطينيين وإدانتهم للاعتداءات الإسرائيلية على سكان غزة مثل اللاعب الهولندي من أصول مغربية "أنور الغازي" الذي عُوقِب بإنهاء عقده مع نادي "ماينز" الألماني بسبب منشور له على الفيسبوك عبر فيه عن تضامنه مع سكان غزة.

من جانب آخر عبر نجوم آخرون في مجال رياضة كرة القدم والفن وصناعة المحتوى عن تضامنهم مع أهالي غزة في مأساتهم وتنديدهم بالاعتداءات الإسرائيلية عليهم، وغردوا بالانجليزية، وبالفرنسية، ونشروا صورا وفيديوهات على صفحاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي تعكس هذه المواقف، وبعضهم يلعب في فرق أوروبية، ولم يخشوا العقوبات التي قد تسببها لهم هذه المواقف، وبعضهم تعرض بالفعل إلى عقوبات لم تتوقف عند موجة الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل نواب أوروبيين واتحادات أوروبية وإسرائيلية بل وصلت إلى حد المطالبات بسحب الجنسية من بعضهم وحرمانهم من اللعب مثل اللاعب "كريم بن زيما" اللاعب الفرنسي من أصول جزائرية الذي نشر تغريدة على منصة أكس عبر فيها عن تضامنه مع "سكان غزة الذين يقعون ضحايا القصف الظالم الذي لايستثني النساء والأطفال"، فعلقت نائبة في البرلمان الفرنسي على منصة اكس تدعو إلى سحب الجنسية الفرنسية من هذا اللاعب.

كما طالت الانتقادات لاعبة التنس التونسية "أنس جابر" التي كتبت تغريدة بالفرنسية عبرت فيها عن تعاطفها مع ضحايا مستشفى المعمداني في غزة.

المشاهير هم المرآة لنبض مجتمعاتهم التي تُحمّلهم مسؤوليات عظيمة خاصة خلال الأزمات الكبرى، لأن أصواتهم مسموعة في أوساط جمهورهم الواسع، وهم أنجح وسيلة لحشد الرأي العام تجاه القضايا الإنسانية، ومهما بلغت الثروة التي يمكن أن يجنيها أو الشهرة التي يمكن أن يحققها اللاعب الرياضي أو الفنان أو الكاتب لا ينبغي له أن يتخلى عن ضميره الأخلاقي، وحسه الإنساني، فيلوذ بالحياد، ويهرب من الانحياز إلى جانب المظلومين أو يختار الوقوف في صف القتلة ضد الضحايا خوفا على مصالح ذاتية يخشى أن تضيع أو حرصا على مكاسب يخشى أن تتبدد.