Atwasat

الخلط الماكر!

عطية صالح الأوجلي الثلاثاء 24 أكتوبر 2023, 06:56 مساء
عطية صالح الأوجلي

في أبريل من العام 2019 خاض نواب الجمعية الوطنية الفرنسية جدالاً حول واحدة من أكثر القضايا حساسية في المجتمع الفرنسي ألا وهي معاداة السامية، فقد طرح أحد النواب نصًا يوسع تعريف معنى معاداة السامية… وقد جرى التصديق عليه بأغلبية ضعيفة ولم يشارك عدد كبير من النواب لا في التصويت ولا في النقاش حول القضية خوفا من التصنيف، وكان من المثير قيام 127 مثقفا يهوديا بالتوقيع على بيان يدعو الحكومة ومجلس النواب لتأجيل النظر في هذا النص الجديد.

لقد كانت حجة المعارضين هي أن معاداة السامية يجب أن تحارب بناءً على «قواعد ومباديء كونية» على غرار محاربة أشكال أخرى من العنصرية وكراهية الأجانب، والكراهية. وقالوا «إن التخلي عن هذه المقاربة الكونية سيؤدي إلى استقطاب حاد في فرنسا، وهذا ما يضر أيضا بمكافحة معاداة السامية». أي لماذا يجرى فصل معاداة اليهود عن معاداة غيرهم؟… لماذا لا يكون هناك نص شامل يمنع ويدين ويحارب كل أشكال التمييز والكراهية؟.

كما كان تخوف بعض المعارضين من أن يجري استغلال القرار الجديد في اعتبار الانتقادات ضد الحكومة الإسرائيلية أو احتلالها للأراضي الفلسطينية هو معاداة للسامية وبالتالي يكون أمرا غير قانوني.

هذا الخلط المتعمد بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية هو أمر شائع في الأوساط السياسية الغربية وكثيرا ما يستخدم هذا السلاح لمواجهة كل من ينتقد السياسات الإسرائيلية… على الرغم من أن الفرق شاسع بين الاثنين؛ فمعاداة السامية هي التحيز المسبق ضد الشعب اليهودي بالقول والفعل، وهذه ظاهرة موجودة منذ قرون وتجلت أبشع صورها على الأراضي الأوروبية. وهي ظاهرة يجب عدم التردد في إدانتها ومحاربتها من كل شخص سوي.

أما الصهيونية فهي حركة سياسية ولدت ونمت في أوروبا أواخر القرن التاسع عشر، كمحاولة لإيجاد حل للمشكلة اليهودية في مجتمعات كانت تعادي اليهود وتلفظهم. وكان الحل في البداية هو البحث عن «وطن قومي» في مكان ما من هذا العالم، وقامت الحركة كما هو معروف بدراسة إمكان قيام هذا الوطن في أماكن عدة من العالم، ولكن لأسباب تاريخية جرى اختيار فلسطين، وأدركت الحركة مبكرا استحالة تحقيق هذا الحلم دون تحالف وشراكة مع قوى استعمارية وبالفعل جرى التحالف مع بريطانيا وفرنسا ثم أميركا. قامت هذه الحركة بإنشاء كيان استيطاني توسعي على أراض يسكنها شعب لا ذنب له سوى أن وجوده يتعارض مع مخططات الدول الكبرى.

بالطبع هناك من يستغل القضية الفلسطينية للترويج لأكاذيب أو خرافات ضد اليهودية كدين، خصوصا من اليمين العنصري بأوروبا وهو أمر تجب إدانته… فعداؤنا للصهيونية ليس لأن قادتها من اليهود وإنما لأنها حركة عنصرية استيطانية تمارس العنف وتؤمن به، ومن الجدير بالذكر أن أغلب القادة الأوائل للصهيونية لم يكونوا من المتدينين أمثال هرتزل وبن جوريون وشمعون بريز، بل كانوا يسعون لبناء دولة علمانية على النمط الغربي.

وهكذا نرى أن هذا الخلط هو خلط ماكر وغير منطقي يستخدم الآن لمعاقبة الذين يؤمنون بالحق الفلسطيني، ويهددهم بمجموعة من العقوبات الظالمة والمؤذية، قد تصل إلى خسارة وظائفهم وتضرّر سُمعتهم، أو إقصائهم من المجال الأكاديمي أو الوظيفة، أو حرمانهم من المشاركة في فعاليات معينة وما إلى ذلك. لقد أصبحت معاداة السامية تهمة جاهزة لمعاقبة من يجرؤ على انتقاد إسرائيل وسياساتها حتى ولو كان يهوديا مثل نعوم تشومسكي وأوري أفنيري وآرون تيتلباوم والفنان جلعاد أتزمون، والمئات من غيرهم من أصحاب الوعي والضمائر الحرة.