Atwasat

الحريديم داعش إسرائيل

سالم العوكلي الثلاثاء 24 أكتوبر 2023, 04:53 مساء
سالم العوكلي

في معظم وسائل الإعلام الغربية، تُطرح الآن حرب بعض دول الناتو وحليفتها (إسرائيل) على قطاع غزة المحاصرة كأنها حرب بين الخير والشر، الخير هو حليفهم والشر خصمه حتى وإن كانوا مدنيين أبرياء، مثلما فعلوا في كل الحروب السابقة التي أفضت إلى مقتل الملايين من الأبرياء باعتبارها حروبًا كانوا يصفونها «نظيفة» أو «مقدسة» أو «ضرورية» للقضاء على الشر، في فيتنام وكمبوديا وكوريا والعراق وأفغانستان، وغيرها من الدول التي سموها محاور الشر. وطالما الغرب هو الخير كله فكل مختلف معه أو خصم له منطقيًّا سيكون شرًّا، وهذه المثنوية الشريرة هي منهج كل الحركات الإرهابية الذي تقتل وتذبح بحجته.

ولكي يبرروا قتلهم لملايين الأبرياء يرفعون لافتة «الإرهاب» كرخصة أخلاقية تبيح لهم كل الجرائم التي يرتبك حيالها الرأي العام المرعوب من فكرة الإرهاب، ولا مانع من أجل أن يلاحقوا مئات المسلحين (الأشرار) من أن يقتلوا آلاف المدنيين ـ كما يحدث الآن في غزة ـ والذريعة الجاهزة أن مقتل المدنيين ضريبة ضرورية من أجل القضاء على الشر وفق خوارزمية ابتكروها منذ أن قتلوا في ثوانٍ ربع مليون مدني نصفهم أطفال في هيروشيما ونجازاكي من أجل أن يحل السلام.

مفردات مثل التطرف والتشدد والإرهاب لم تطلق سوى على الجماعات الإسلامية، رغم أننا نقابلها في كل خطاب لاهوتي عنصري يقسم البشر إلى محور خير ومحور شر، سواء تنكر في أثواب الليبرالية الأنيقة أو في أثواب الظلامية الرثة، بل وأحيانًا يدير هذه المنظمات الإرهابية المتشددة رجال في كامل الأناقة يستخدمون أحدث وسائل التقنية في مكاتبهم بناطحات السحاب. ومثل داعش المجرمة تنتشر جماعات كثيرة دينية أو عرقية أو أجهزة مخابرات في أصقاع الأرض.

من مثل هذه المجموعات سأتحدث بإيجاز عما يسمى الحريديم فيما يسمى (إسرائيل)، وأذكرها باعتبارها ليست مجموعة دينية معزولة تمارس طقوسها الخاصة، ولكن لأنها تجد حاضنة اجتماعية وسياسية واقتصادية واسعة، وتسهم في رسم خطط مستقبل الدولة الصهيونية، وتشارك في السلطة وفي الحكومة عبر تقلد بعض أتباعها وزارات مهمة مثل الأمن القومي والمالية والتعليم والدفاع وغيرها. ونتنياهو الذي يلعب ورقة حماس المتشددة ويشببها بداعش، يعتمد ائتلافه الحكومي على الأحزاب المنبثقة عن عقيدة وثقافة ما يسمى الحريديم، وعاؤه السياسي الذي يغرف من مقاعده شرعيته ومن عقيدته مشروعه الفاشي.

«الحريديم (جمع الحريدي) مجموعة منظمة من اليهود (الصهاينة) المتشددين، يعيشون حياتهم اليومية وفق الشريعة اليهودية التوراتية التي يدعون لتطبيقها بحذافيرها في دولتهم، وأصل التسمية جمع لكلمة حريدي وتعني التقي. وقد تكون الحريديم مأخوذة من الفعل حرد بمعنى غضب وبخل واعتزل». (ويكيبيديا).

لأكثر من مرة قام متطرفون منهم في القدس بحرق وتخريب متاجر للنظارات لأنها استخدمت صور نساء في إعلاناتها، كما «قاموا بأعمال شغب بسبب اعتقال شخص حريدي يشتبه في قيامه بإضرام النار في متجر للهواتف المحمولة، ما أدى إلى إصابة سيدة بجروح خطيرة بعد أن دهمتها حاوية قمامة مشتعلة». كما تدعو الأحزاب الحريدية إلى ضرورة الفصل بين الرجال والنساء في الأماكن العامة، وتحريم كرة القدم يوم السبت، وكراهية الموسيقى والفن التجسيدي، ويعتمدون منهج التقية الذي يبيح الكذب للمصلحة، ويعتبرون الانتخابات وسيلتهم للوصول إلى الحكم ثم تحويل إسرائيل إلى دولة دينية تحكم بالتوراة.

وهذه المجموعة المسلحة التي تشكل أغلبية المستوطنين؛ التي كثيرًا ما تقتحم المسجد الأقصى، أو يقتل مستوطنوها الفلسطينيين، تلقى دعمًا مباشرًا من اليمين الصهيوني في أعلى السلطات، بعكس داعش التي كان يحاربها الجميع في مجتمعاتنا. ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن «نتنياهو وعد القادة الأرثوذكس المتطرفين بزيادة التمويل للطلاب الحريديين اللاهوتيين، وتوفير الوصول إلى الوظائف الحكومية دون شهادات جامعية، وقد تعهد بتقديم مجموعة واسعة من المنح الحكومية لنظام مدارس الحريديم».

وهل كان لتنظيمي القاعدة وداعش أن يجدا مثل هذه الخدمات والامتيازات لدى سلطاتنا، وهي في الواقع لم تجد أي تسهيلات لوجستية إلا من مخابرات الدول الغربية، وحتى جرحى داعش في سوريا كانوا يتلقون العلاج في الكيان الصهيوني ويعادون إلى سورية.

كل الأحزاب التي توصف بالأرثوذكسية كمصطلح غربي بديل لتسمية المتطرفة أو الإرهابية، والتي يشكل الحريديم عقيدتها وبرنامجها وظهرها الشعبي، فازت في الانتخابات الأخيرة بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية، ما يعكس النمو الشعبي السريع لهذا التوجه المتطرف إلى حد كبير ويجعلهم من ركائز حكومة نتنياهو. «وإذا استمرت التوجهات الحالية، فمن المتوقع أن يكون واحد من كل أربعة إسرائيليين، وحوالي واحد من كل ثلاثة يهود إسرائيليين حريديين بحلول عام 2050» وفقًا لنيويورك تايمز.

أما الحكومة الحالية التي لا تتحدث سوى عن الإرهاب في غزة لتبرر جرائمها لرأي عالمي موسوس بفوبيا الإسلام، «تتألف من أحزاب تُعرف باليمينية واليمينية المتطرفة، وهي حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو، وأحزاب تنتمي للحريديم مثل حزب الصهيونية الدينية بقيادة بتسلئيل سموتريتش، وحزب عوتسماه يهوديت بقيادة إيتمار بن غفير، وحزب نوعَم بقيادة آفي ماعوز، وهي ثلاثة أحزاب خاضت الانتخابات في تحالف تقني وانفصلت بعد ذلك».

(بي بي سي نيوز عربي - 29 ديسمبر 2022)، توصف الأحزاب الثلاثة بالمتطرفة بمواقفها الحادة تجاه العرب الذين تعتبرهم حيوانات بشرية حسب خطب بعض قادتها أو مرجعياتها الدينية، وهي تعكس التيار الديني الصهيوني المتطرف الذي يشدد على تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، بالإضافة إلى تعزيز دخول جماعات يهودية إلى باحات المسجد الأقصى.

ومن هذا الباب الواسع لهيمنة الجماعات اليهودية المتشددة دخل إيتمار بن غفير المشهد السياسي وأصبح وزيرًا للأمن القومي (كما لو عُيّن ـ مثلًا ـ بن لادن أو البغدادي وزيرًا للأمن القومي في إحدى الدول العربية)، وكان بن غفير قد بدأ مسيرته السياسية تابعًا لحركة كاخ المحظورة والمصنفة إرهابية؛ والتي أسسها الحاخام، مائير كاهانا، المشهور بمواقفه العدائية والمتطرفة تجاه الفلسطينيين وعرب ما يسمى (إسرائيل)، الداعي في خطبه لإبادتهم وأحيانًا يستخدم فعل حرقهم، ووجهت ضده «العشرات من التهم بالضلوع في أحداث شغب وتخريب ممتلكات وحتى التحريض على العنصرية وتأييد منظمات إرهابية». (بي بي سي نيوز عربي - 29 ديسمبر)2022. أما بتسلئيل ساموتريتش، وزير المالية الحالي، أحد المخلصين لعقيدة الحريديم، فهو «مدير جمعية رغافيم اليمينية المتطرفة العنصرية، التي تلاحق الفلسطينيين في مناطق 48 و67، وتحث السلطات الحكومية على استصدار أوامر هدم بيوت عربية، بحجة البناء غير المرخص، وكان سموتريتش من قيادة حركة التمرد على خطة إخلاء مستوطنات قطاع غزة، وجرى اعتقاله خلال عملية الإخلاء في أغسطس/ 2005، بعد العثور في بيته على 700 لتر من الوقود، بهدف القيام بأعمال حرق وتخريب». (موقع مدار: بيديا موسوعة مصطلحات إسرائيلية).

وتضم الحكومة أيضًا حزبين متشددين ضمن مجموعة الحريديم ذات القاعدة الواسعة، وهما حزب يهودت هتوراة، الممثل للحريديين الغربيين (الأشكناز)، وشاس الممثل للحريديين الشرقيين (السفارديم)، بعد حصولهما على مجموع 18 مقعدًا في الكنيست، ويتألف يهدوت هتوراه من تحالف لمجموعة من الأحزاب الدينية من الأصول الأوروبية ذوي توجهات متشددة ومتزمتة في ممارساتهم الدينية، ويعود اسم حزب شاس «إلى أن التلمود ينقسم إلى المشناه والجمارا، وتبلغ أقسام المشناه ستة وتسمى بالعبرية سداريم أي المباحث، ولذا يطلق على التلمود لقب شيشا سيداريم، أي المباحث الستة، وتُختصر إلى حرفي شاس» ويكيبيديا.

وفي انتخابات 2021، حصل حزب شاس المتطرف على 9 مقاعد، ما جعل منه ثاني أكبر حزب في التحالف الحاكم.

ووسط انتقادات قوية من اليسار الصهيوني صادقت الحكومة الإسرائيلية في شهر مايو الماضي على إعادة تعيين اليميني المتطرف، رئيس حزب نوعم، آفي ماعوز، في منصب وزير في ديوان الرئاسة، كما تقلد منصب رئاسة (سلطة الهوية القومية اليهودية) التي رصدت لها الحكومة ميزانية ضخمة، ما سيمنحه سلطة على وزارة التربية والتعليم، والمناهج الدراسية المقررة فيها، وعلى الهيئات غير الرسمية التي يتم تجنيدها للتدريس أو إلقاء المحاضرات في المدارس. وماعوز يميني حريدي متطرف معروف بمواقفه المتشددة تجاه المرأة والعرب والتيارات اليهودية المعتدلة في إسرائيل، والتي تقلصت شعبيتها إلى أدنى حد في العقدين الأخيرين.

كما تحصل حزب الهوية بزعامة موشي فايغلين، الذي زادت شعبيته بشكل ملحوظ، على ستة مقاعد، وكما يقول عنه غيديون رحات من معهد الديمقراطية بإسرائيل: «حزب الهوية ابتكار غريب يجمع بين أفكار يمينية متطرفة حول الحرم القدسي الشريف وإسرائيل الكبرى وشرعنة استهلاك القنب. إنها محاولة جذابة لعرض شيء مختلف». ومن بين هذه الأحزاب «القوة اليهودية» المثير للجدل الذي يتبع التعليمات المتطرفة للحاخام مائير كهاني الذي اغتيل في التسعينيات في الولايات المتحدة الأمريكية. وحزب كهاني كان معروفًا بالتحريض العنيف وبفكرة إسرائيل الكبرى.

وفي الولايات المتحدة تم تصنيف الحزب كمجموعة إرهابية وتم حظرها لاحقًا في إسرائيل، قبل أن تعود للمشهد السياسي من أوسع الأبواب في حكومة نتنياهو. ومجمل هذه الأحزاب المتحالف معها حزب الليكود الحاكم هي من تدير الآن حرب غزة وفق عقيدتها التي تدعو للإبادة والحرق لكل ما هو غير يهودي مؤمن، وهي التي تحيل الآن غزة المحاصرة إلى غرفة غاز كبيرة يُباد فيها شعب برمته.