Atwasat

الحداثة بعين واحدة!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 08 أغسطس 2023, 10:04 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
كنت أشاهد محطات التلفزيون المكررة وهي تكرر الأخبار، النيجر تعقب السودان وغيرهما من أخبار أفريقيا المنكوبة، أفريقيا ما ادعت نائبة الرئيس الأمريكي أنها مستقبل العالم، أفريقيا التي يعمل على تحريرها «فاجنر» الشركة الروسية، القطاع الخاص لشأن تحرير الأمم. لقد كنت أشاهد المحطات المتعددة الواحدة، فتأتي الأخبار، مسلسل تلفزيوني، بُعيد حلقة أفريقيا حلقة أوروبا أوكرانيا، وهكذا دواليك الديمقراطية في خطر، وكل يوم تخسر معركة، فالفاشية الجديدة تكسب أشواطًا من مباراة لم تنته بعد...
لكن معطيات جمة تدعو باحثين غربيين للتشاؤم من مستقبل الديمقراطية، فالتقرير السنوي لهيئة «فريدم هاوس» الأمريكية لعام 2017م، يشير إلى أن مستقبل الديمقراطية في العالم مظلم، وأن خصوم الديمقراطية، يتقدمون باضطراد لإقامة النظم السلطوية، مما يجعل الدول الديمقراطية، تواجه أكبر تحدٍ لها، منذ نهاية الحرب الباردة. وإذا كانت الديمقراطية هشة، وفي خطر في أعرق بلدانها، فكيف يكون حالها، وهي ناشئة وفي مقتبل العمر، بفم لا أسنان له؟. لا أحد يشك أنها ستكون أكثر هشاشة، وأن لا أحد يحرسها؛ حيث قلة من يحرص عليها. لكن كما يبدو في العالم، الذي سُدت فيه السُّبل، ما من مستطاع إليه السبيلُ غيرَها، بهشاشتها وضعف عودها.

2-
القراءة والاطلاع لا متعة فيهما ولا جدوى، دون أن يتمازجا مع الذات تمازج الواقع معها، فكأني بالفكرة ما نُطالع، نابعة منا كما الفن قريب الروح. هكذا فإن حاجتنا إلى التفكير هي ما تجعلنا نفكر، على رأي فيلسوف الفكر الناقد تيودور أدرنو، من عنده «ما من فكر محصن من التواصل». هذا ما انتابني، عند مطالعتي لكتاب «الحداثة السائلة» لزيجمونت باومان، من له مؤلفات عدة عن هذه الحداثة المائعة.

وفي تعليل أطروحاته النقدية للحداثة، ومفاهيمها خاصة فيما بعد الحداثة، كتب: ليس من الحكمة، أن ننكر التغير العميق، الذي أحدثه مجيء الحداثة المائعة في الوضع الإنساني، أو حتى نستهين به. فالبنية النظامية انتبذت مكانًا قصيًّا، يتعذر الوصول إليه، والوضع الراهن لسياسة الحياة، يفتقر إلى بنية محددة وتطغى عليه السيولة. كل ذلك يغير الوضع الإنساني على نحو جذري، كما يدعو إلى إعادة النظر في المفاهيم القديمة، التي طالما كانت تؤطر لسرديات الوضع الإنساني. إن هذه المفاهيم مثل الزومبي، ميتة حية في آن، والقضية العملية التي نحن بصددها، تتمثل في إمكانية بعث هذه المفاهيم بعد موتها، وإن أخذت شكلًا جديدًا أو تجسدت في صورة جديدة، وإن تعذر كل ذلك، فكيف نستعد لسقوطها ودفنها على الوجه اللائق؟.

وأولًا وأخيرًا لا أحد يهتم بالديمقراطية، ويعتبرها الحلّ الأمثل، الذي توفر حتى الآن لمشكلة الحكم، لا أحد لا يعرف أن الديمقراطية فم دون أسنان، وبالتالي لا أنياب لها. ومن هنا هشاشتها؛ حيث يعرف الكثيرون، أن هتلر جعل من الصندوق دبابته. الصندوق ما هو وسيلة من وسائل الديمقراطية، تحول عند أعداء الديمقراطية، إلى أداة للانقلاب على الديمقراطية.

3-
الشيء بالشيء يذكر، فخلال الحرب الكبرى الثانية، تحول إلى بوق فاشي، شاعر الحداثة الشاعر الأمريكي عزرا باوند، من يعد أس الشعر الحر، فالعلامة الشعرية البارزة، من لأجل خلاص العالم، عدّ الفاشية الإيطالية الطريقة، وأن موسوليني الرئيس القادر على إنجاز هذه المهمة التاريخية. وقد عمل من خلال إذاعات روما، لتوجيه نداءات وبيانات لمعاضدة دول المحور، ودعم الزعمين موسوليني وهتلر. ومكث في روما طوال سنوات الحرب، عاملًا من أجل انتصار الفاشية وموسوليني، وحثِّ زملائه الكتاب والشعراء، للانضمام إلى بطل الحرب موسوليني، القادر على دحر دول الشر والمال، وهزيمة روزفلت وتشرشل.

ويعلق هاشم صالح «لقد ارتكب عزرا باوند، أكبر خطيئة في حياته، عندما اعتقد أن الدولة الفاشية، التي أسسها موسوليني في إيطاليا، هي تجسيد للدولة المدنية التي حلم بها كونفوشيوس. ودفع ثمن هذه الخطيئة باهظًا، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد حاكموه عام 1945م، واعتبروه مريضًا من الناحية العقلية، فسجنوه في مستشفى المجانين لمدة عشر سنوات أو أكثر. ورغم هذه السقطة الأخلاقية الكبرى، فإن بعض النقاد، يجدون فيه واحدًا من أهم شعراء الغرب في القرن العشرين، إن لم يكن أهمهم. فالكثيرون يضعونه من حيث المرتبة الشعرية، فوق ت. س. إليوت، وقليلون هم شعراء الحداثة، الذين كانوا يمتلكون طاقته الشعرية».