Atwasat

رؤية حول: الحقيقة والمكاشفة والمصالحة فى ليبيا (1-2)

علي محمد نوح الإثنين 29 مايو 2023, 07:27 مساء
علي محمد نوح

من خلال الحوار مع بعض ممن واكب فترة المصالحة الوطنية في جنوب أفريقيا وبعد الاطلاع على بعض المستندات المتعلقة بالمصالحة والخطة التي اعتمدتها جنوب أفريقيا في عملية المصالحة بين النظام العنصري وحركات التحرير تحت إشراف المناضل الرئيس نيلسون منديلا، يسعدنى أن أتقدم بهذه الخلاصة من هذه التجربة القيمة التي أتبثت نجاحها بشهادة العالم أجمع ونتائجها واضحة فى التقدم والتطور السريع في جميع المجالات التنموية والاقتصادية والصناعية بجنوب أفريقيا. وهي تجربة يمكن أن تكون برنامجا وآلية عمل للجان المصالحة فى ليبيا.

ليعلم جميع الشعب الليبيي أن تاريخنا مليء ببعض الأحداث المروعة في الفترة ما قبل 2011 وما بعدها. وشملت:
- حالات احتجاز لأشخاص ووفاة بعضهم.
- حالات سفك دماء أبنائنا من جميع المكونات ومن جميع الأطياف السياسية والدينية والمجتمع المدني.
- حالات الإقصاء والتهجير والنزاعات والقتال بين المدن والمناطق الليبية سياسياً واجتماعياً.
إنه التاريخ المعاصر الممتد لقرابة ستة عقود- الذي بدأ في العام 1969 والمستمر إلى هذا اليوم - هذه هي الفترة الزمنية التي كان علينا أن نتصالح معها.

المصالحة تعني حل النزاعات والمشاكل عن طريق التراضي والسلم مما ينهي البغضاء والكراهية والتقاط الأنفاس والتماس القلوب وشعور بالطمأنينة، وابتهاجنا بشهامة من ينبغي عليه الاعتذار والاستعداد للتسامح وشعور بالحق ونبذ شهوة الانتقام. كما أن المصالحة هي عملية تتبناها الدولة وتتحمل أعباءها من تطبيق القانون أو جبر الضرر لتحقيق التوافق بين المتخاصمين للوصول للمصلحة المشتركة لاستقرار المجتمع والدولة. وبهذا يُتطلب من الدولة تشكيل لجان لتحقيق المصالحة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ويكون عضو المصالحة ذا شخصية تؤمن بالصفح والتسامح ويتمتع بالحكمة والأمانة والاستقامة. وكذلك يكون عضو لجنة المصالحة مجرداً من الجهوية والأيديولوجية والعنصرية.

إن التصالح مع الآخرين له أنماط سامية على الفرد أن يتمتع بها وهي التصالح مع النفس، أي تصالح الإنسان مع ذاته لكى يكون قادراً على التصالح مع الآخرين. أن يكون الإنسان أولاً: غير متناقض مع مواقفه وينبذ التعالي والتعنت. ثانياً: يؤمن بأن بناء المجتمع مبني على التسامح والعدالة وهو أساس بناء دولة القانون. ثالثاً: يؤمن بأن الصلح هو تعبير عن التسامح والمحبة المستمدة من الشريعة الإسلامية.

إذن من السمات الفريدة لنتائح أي مصالحة هو سرد الحقيقة والانفتاح وقبول الآخر والشفافية. والهدف الحقيقي معالجة المرض الذي أصاب وطننا الأم الحبيبة لفترة طويلة، وعلينا إجراء التشخيص الصحيح، و يجب وصف الدواء الصحيح لالتئام المرض المزمن. علينا تقديم منظور بشكل أكثر شمولاً عن حقيقة الماضي. وهكذا يمكن الوصول إلى مستقبل جديد بعملية التصالح مع ماضينا. وشعارنا هو «الحاجة إلى التفاهم وليس إلى الانتقام»، «الحاجة إلى العفو وجبر الضرر وليس إلى العقاب».

ماذا تعنى الحقيقة
تعني سرد الماضي والحاضر من جانبه السيء والباطل. إن نسيان الماضي بمقولة «ندع الماضي وعفا عليه الزمن» هذا مفهوم خاطئ يؤدي إلى فقدان الذاكرة وإلى مزيد من الإيذاء للضحايا من خلال الإنكار لتجاربهم مع العنف المروع والظلم. إنه فقط عندما يعترف «الجاني» بانتهاكاته يعني قبوله بالصلح، ويعيد إلى «الضحية» كرامتها وهويتها ولن تكون لديه ضغينة تجاه «الجاني» وهنا يكمن تبيان الحقيقية دون ادعاءات.

لدينا سابقة تاريخية وهي العبارة المزخرفة عند مدخل متحف بمعسكر الاعتقال السابق ذاخاو بالنرويج. الذي يجمع مجرمي الحرب الذين جرى القبض عليهم في مناطق احتلال الولايات المتحدة في ألمانيا والنمسا في العام 1933، العبارة هي «أولئك الذين ينسون الماضي محكوم عليهم بتكراره». أي يجب أن تكون أحداث الماضي واضحة وجلية للجميع.

في حالتنا، التعامل مع الماضي يعني معرفة ما حدث. مثلاً، معرفة من الذي أمر بالقتل ومن الذي قتل ومن الذي انتهك الحقوق؟ لماذا فعل هذا الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان؟. إن كان فرداً أو مجموعة أو هيئة اعتبارية. نحتاج أيضاً إلى معرفة الماضي حتى نتمكن من تجديد العزم والالتزام بعدم حدوث مثل هذه الانتهاكات مرة أخرى.

نحن بحاجة إلى معرفة الماضي من أجل ترسيخ ثقافة الاحترام وحقوق الإنسان. فقط من خلال حساب الماضي تكون لنا صحوة ويصبح لنا مسؤولون نزهاء للمستقبل. مهما كانت التجربة مؤلمة، فإن جراحها يجري تضميدها بعدم السماح للماضي بزيادة تفاقمها. والجروح يجب فتحها وتطهيرها. ويجب سكب البلسم عليها حتى يتمكن أصحاب العلاقة من الشفاء.

وعلينا رفع شعار «الاعتراف بالذنب فضيلة» وهي من المبادئ الأخلاقية والقيم النبيلة وينبع من احترامك لنفسك، واحترامك للآخر ومن يرفض الاعتذار لديه شعور بالنقص ولا يحترم ذاته. ومن أسوأ أنواع ثقافة رفض الاعتذار والمكابرة في الخطأ عندما يفتح لك الذي أخطأت بحقه ذراعيه بصدر رحب ونفس منفتحة مرحّباً بك.

ماذا تعنى المكاشفة
تعني المواجهة بالحقائق الفعلية وإظهار التألم لما حدث والاعتذار من قبل الفاعل والمصافحة وقبول الصلح مع الضحية.

ما هي المصالحة
المصالحة هي من الشروط التي تسبق السلام والتنمية الشاملة وبناء عمليات طبيعية من التماسك السياسي والاجتماعي والاقتصادي. إن طريق المحاكمات والنظام القضائي قد يتعرض سياسياً بالفعل لضغوط شديدة داخلياً وخارجيًا عادة، وقد يمتد إلى سنوات لجلسات الاستماع إلى ما حدث.

وتعتبر الإجراءات القانونية بحد ذاتها أيضاً تجارب مروعة للضحايا الذين يمرون بتجربة الاستجواب الدقيق من قبل المحققين. كذلك الإجراءات القانونية تعتمد على دليل لا يدع مجالا للشك، لذلك نظام العدالة الجنائية ليس أفضل طريقة للوصول إلى الحقيقة. علماً أنه لا يوجد حافز للجناة لقول الحقيقة.

لذلك أثبتت التسوية التفاوضية أنها تؤدي إلى نتائج سريعة وإيجابية يتبعها أحكام العفو للأحكام المتعلقة بهذه الأحداث. مما يسرع من السعي للمساعدة في التئام جراح الشعب وفتح الطريق للاهتمام بمستقبل البلاد.

آلية ومنهجية المصالحة
الجانب التنظيمي:
- إنشاء هيئة للمصالحة الوطنية، وتشكيل لجنة المصالحة والعفو، يجري ترشيحها وانتخابها علنياً من قبل مؤتمر جامع لكافة ممثلي مكونات الشعب الليبيي وأن لا يكونوا تابعين لأحزاب سياسية أو تنظيمات أيديولوجية.

- إنشاء صندوق جبر الضرر لتلقي الدعم المحلي والخارجي وخاصة الدول المشاركة فى مساعدة الشعب الليبيي على التغيير.
- الأحكام الصادرة من لجنة «المصالحة والعفو» تحال إدارياً إلى مؤسسات الدولة لتنفيذها وقضائياً إلى المحكمة العليا للبت فيها قضائياً وبصورة مستعجلة ونهائية.

أدبيات مرحلة المصالحة
- احترام الأحكام العرفية والقانونية وحقوق الجناة والضحايا.
- تجريم أي وصف يفرق بين المواطنين وفقاً لفئة أو مجموعة عرقية أو أي إشارات تدل على الامتيازات أو الحرمان من الحقوق.
- نبذ الصراع والظلم والقهر والانتقال من القامع إلى فوائد حكم مستقر وديمقراطي.
- نبذ التآمر للعودة إلى السلطة أو الاحتفاظ بها أو السعي إليها بالقوة.
- نبذ استخدام موارد الدولة المالية لشن حروب ضد مواطنيها.
- تعتبر التنظيمات بلونيها السياسي والأيديولوجي ليست نموذجاً للفضيلة وغالباً ما تكون مسؤولة عن تحريض الناس على التصرف بطرق لا يمكن السيطرة عليها.
تطبيق عرف «عدم الأهلية» وعزل الأشخاص الذين لم ينخرطوا فى المصالحة وتورطوا في انتهاكات حقوق الإنسان وسفك الدماء والجرائم الجنائية، وذلك بعدم تمكينهم من المناصب السياسية والإدارية والفنية العامة.