Atwasat

من أخطار «النفط» أنه يعمي الأبصار..!

سالم الهنداوي الأربعاء 24 مايو 2023, 11:49 صباحا
سالم الهنداوي

.. معظم الدول التي تم فيها اكتشاف «النفط» كانت أراضيها جرداء قاحلة، والمفارقة العجيبة أن هذه الدول وبعد عقود من ضخ النفط، ظلت أراضيها جرداء قاحلة.. فالأرض التي فتحت جوفها ودفعت بالذهب الأسود، لم تحظ ببذرة قمح من أجل سنابل الخير، وأقلّه من أجل الخبز الذي كان عبر التاريخ يشعل الثورات حين يجوع الشعب.

.. ففي الحالة العربية تحديداً كان نفط الأرض دائماً من نصيب «الحاكم» ملكاً أو سلطاناً أو أميراً أو رئيساً، في دولة تدعي الديمقراطية، أو دولة شمولية مدجنة.. ذلك أن النفط «الملعون» حسب الواقع المرير، لم نره يذهب إلى الشعب «الفقير» لينقذه من الجوع والمرض والجهل والتخلُّف، بل ذهب لأرباب السُّلطة المتنعمين وعائلاتهم وحاشياتهم من المنافقين والطبالين وزمزاكة العهود غير الرشيدة.. إنه فعلا اللعنة التي حلت على الشعوب وأصابت الأوطان في مقتل، ومن الوهم بمنفعته الأبدية استرخت الأنظمة على ركام جهلها في المأمن المخادع الطويل تحت تأثير الوهم بالاكتفاء الذاتي الأبدي والرفاه الميمون بلا حساب، على اعتبار أن بطن الأرض «تغجُّ» بالسائل الأسود الثمين الذي لا ينضب، والسوق مفتوحة على الدولار الذي يفيض ذهباً لا يصدأ، ولكنه يذهب هباءً جراء سياسات نفعية فاسدة تغدق المال على لصوص المال وبربويات تحرم الناس العيش الحلال.

.. أمام إنتاج النفط السخي لعقود طويلة، ودخول مليارات الدولارات، بل التريليونات إلى خزينة الدولة، إلا أن هذه «الدولة» بوصفها وطنا ومجتمعا، لم تستفد في أي وقت من أموال النفط، بل كان النظام دائما يتعمد النهب الممنهج بالذرائع السخيفة للاستيلاء عنوة على ثروة النفط وإهدارها دون فائدة قد تعود بالنفع على المجتمع، فلا خطط للتنمية ولا استراتيجيات موضوعة للإنفاق العام على المؤسسات الخدمية في الدولة، بل يذهب جل المال إلى أرصدة أرباب السُّلطة من خلال الاعتمادات البنكية، وبذريعة الدفاع عن الوطن يذهب إلى الأجهزة الأمنية لحماية النظام، وشراء السلاح للاستعراض في أعياد الاستقلال، وكذلك شراء الذمم والولاءات.

فيما لا ينال الشعب سوى الكيد له في الليل وفي النهار، وبالكاد ينال معاشا مقطوعا للعيش حافيا، معاشا زهيدا لا يفي بمصروفات البقاء على قيد الحياة بعقاقير الدواء حتى الكفن.. هذا الشعب «المواطن» المسروق، عليه أن يعيش بلا كرامة، وأن يعيش جائعاً وجاهلاً كي لا يتجرّأ يوماً ويفكِّر ويسأل السُّلطة؛ أين حقّي من ثروة النفط..؟!

..  في البلاد الغنية بالنفط تحت الأرض، والفقيرة بمال النفط فوق الأرض، لا تخال المواطن فيها سعيداً أبداً، فالمواطن ساقط القيد من حسابات الدولة، لا يملك حياة يومٍ واحدٍ من حياة من حكموا باسمه، بل إن هذا المواطن «الفقير» فوق حقول النفط، أصبح يحتاج فقط إلى الماء كي يغسل وجهه من غبار الأيام، وإلى المدرسة ليتعلّم أبناؤه جزافا أن حب الوطن من الإيمان.

..  لقد سرقوا المواطن في حياته وجعلوه رقما في تعداد السكان، واستعانوا بجهله في الانتخابات، وذهبوا به إلى الحروب فقتلوه وقطعوا أوصاله ورموه جريحا على أبواب المستشفيات في الدول الشقيقة، وجعلوه يقفل حقول النفط لينال حصته في الثروة المزعومة، ثم جعلوه يفتح الحقول لينام في اليوم التالي على أبواب المصارف في انتظار السيولة، وليعود إلى بيته في آخر النهار بورقة بيان الشعب وربطة جرجير ودجاجة نحيلة صفراء من ثلاجة انقطعت عنها الكهرباء.

.. باسم الشعب يحتفلون بافتتاح المقابر والسجون وترقيع طرقات الموت وتكديس القمامة، وباسم الشعب يستوردون الأدوية الفاسدة، وباسم الشعب يشوون الديمقراطية على صفيح ساخن، ويدعون لانتخاب المجرمين واللصوص الجدد في تدويرٍ مريع للفساد الأخلاقي، ويفتحون باب التسجيل لعامة الشعب في نيل القروض وفي الذهاب للحج، وهم من يستفيد من القروض ومن الذهاب للحج.. هكذا حال بلاد النفط على الأرض القاحلة الجرداء الجاهلة التي أهملت الزرع ونالت نصيبها من لعنة النفط.. واللعنة كانت هناك، في اليوم الذي تم فيه اكتشاف النفط دون المعرفة بمخاطر هذا الاكتشاف في بيئة متخلفة تترع باللصوص، استولوا على السُّلطة من أجل المال، فكانت لهم الثروة والقصور، وكان للشعب الفقر والقبور.

..  كم ثورة (عقل) يحتاجها المواطن كي يخرج من ظلام الجهل والعبودية، ويستعيد حياته من جديد فوق أرض كان يمكنها أن تكون خضراء يانعة، وأن تشهد نهضة تعليمية وعمرانية لافتة وتنمية بشرية فاعلة وجامعات رائدة ومشافي جاهزة وإبداعات علمية وثقافية خلاقة واثقة، وطريقاً ممهداً لمستقبل سعيد لأجيال عاشت ظهور النفط وجعلته نعمة خلود لا لعنة وجود..

..  يظل السؤال البدهي قائما تلقائياً في محصلة البؤس واليأس؛ أين حقنا من نفطنا..؟!! فلا جواب ممكناً من سادة الحكم الذين يتوالون على السُّلطة بدافع الإصلاح والتغيير، وفي كل مرة يكون فيها الشعب هو ضحية الاختيار الخاطئ.