Atwasat

«الصنديم»

صالح الحاراتي الخميس 18 مايو 2023, 02:48 مساء
صالح الحاراتي

اسم كنية لشاب أسمر البشرة فارع الطول مع ابتسامة دائمة على وجهه، وروح مرحة لا تفارقه إنه «الصنديم».
وهو الحكواتي صاحب الموهبة التي لم تجد في مجتمعنا المناخ والبيئة الملائمة حتى تنال الشهرة والانتشار، خاصة أن وسائط الميديا والتلفزيون والسينما لم تكن متاحة في ذلك الوقت، ولذلك لم تجد موهبته المجال المناسب لتظهر إلا من خلال جلسات الشارع العابرة أو الجلسات الخاصة النادرة.

الحكواتي هو الراوي الذي يسرد القصص، في المنازل والمقاهي والطرقات، ولكن «الصنديم» الذي أتحدث عنه وأتذكر كيف كان أبناء الجيران يحتشدون حوله.. كان لا يكتفي بسرد أحداث أي قصة بطريقة جذابة فقط، ولكنه يتفاعل مع جمهوره بشكل كبير، حتى يدفعه الحماس لأن يجسد دور الشخصية التي يحكي عنها تمثيلا بالحركة والصوت، ويعمل على تدريب حنجرته ولسانه على أداء أكبر عدد ممكن من أصوات أبطال حكاياته، واستخدام مهارة الإيماءة الحركية والإشارة مع قدرة على استخدام لغة الجسد للتعبير عن أحداث ما يرويه من حكايات.

وكان ما يسرده من حكايات هو وسيلة التسلية الجماعية المتاحة في ذلك الزمن، وأتذكر أن ما يميز حكايات «الصنديم» هو أنها تتعلق غالبا بمواقف ساخرة حدثت معه شخصيا، وأحيانا قليلة وبناء على طلب المتتبعين يسرد قصصا أخرى مثل قصة عنترة بن شداد تحديدا مع بعض الإضافات من خياله ليجعلها ساخرة مضحكة لأن لفظ «الصنديم» الذي ارتبط اسمه به كان يردده في تلك القصة ويقصد به «الصنديد»، وكان يبقي جمهوره في تشوق دائم لمعرفة آخر وقائع حكاياته ومغامراته.
سافر إلى مدينة كبيرة بحثا عن عمل يبرز موهبته. ولكن نظرا لغياب البيئة المناسبة عاد إلى مدينته بعد أن عانى من التنمر والإهمال فتوقفت محاولاته.
ما استحضر «الصنديم» في ذاكرتي هو ملاحظة جاءت على لسان أحد الأصدقاء وهو يقول، كم من مواهب وقدرات كثيرة تهدر بسبب عدم الاهتمام بالمواهب في مختلف المجالات خاصة الفنية وهي كنوز تستحق الاكتشاف والدعم.

إن مسألة تبني الموهوبين أمر في غاية الأهمية، وذلك من خلال تنمية استعداداتهم الفطرية وصقلها لمساعدتهم على تحقيق ذاتهم.. وهناك عديد الدراسات التي تناولت الموهبة والموهوبين، والتي تقول إن كل إنسان سوي لا بد أن تكون لديه واحدة من المواهب سواء تيسر له أن يكتشفها في حينها أو بقيت كامنة غير مكتشفة.. ولذا فلا بد من احترام أولئك وتعزيز ثقتهم بأنفسهم والسماح لهم بالتعبير عن أنفسهم وإشباع حاجاتهم وإتاحة الفرصة لهم لإبراز مواهبهم من خلال الأنشطة الثقافية والمدرسية والأنشطة الرياضية والكشفية والفنية والمسرحية، وذلك لتغطيتها للجانب الإبداعي. فالموهبة قدرة فطرية أو استعداد موروث في مجال واحد أو أكثر من المجالات وهي أشبه بمادة خام تحتاج إلى اكتشاف وصقل حتى يمكن أن تبلغ أقصى مدى لها. فالموهبة وحدها لا تكفي كي تصنع لنا مبدعا.