Atwasat

الجارية الثملة متنكرة بثوب الخلافة (6-7)

محمد عقيلة العمامي الإثنين 10 أبريل 2023, 11:13 صباحا
محمد عقيلة العمامي

بغض النظر عن أن الجامع تأسس في البداية، قريباً من مسكن الرسول، ليكون مكاناً لاجتماعات المسلمين ومناقشة أمور دينهم ودنياهم، وتقام فيه الصلوات اليومية المفروضة، وأن هذا الموضوع تناوله العديد من البحاث والمفكرين، ويعد ما كتبه صادق النيهوم من أبرز ما نوقش كثيراً وطويلاً، خصوصا من بعد تتبع مسيرته وتطورها، وأن المسجد على نحو ما (برلمان) ينعقد يومياً خمس مرات ليتناقش المسلمون خلالها ويتدبروا مصالحهم الدنيوية، وأيضاً الغيبية.

والحقيقة أن أهمية المسجد كبرلمان يتدارس ويقود الرفض والقبول، بانت نتائجه، بوضوح ومباشرة، أيام الثورة السورية، كحصن أساسي لها، وقاعدة لانطلاقها. يقول الكاتب السوري (ملاذ الزغبي)، في مقالته المعنونة بـ (الثورة السورية وجامع صادق النيهوم): «كان الجامع في الأشهر الأولى للثورة السورية الحاضن الأساسي لها ولمظاهراتها، وهو في الوقت الذي كان بمثابة اتهام توصم به الثورة، من مناهضتها باعتبارها «ثورة انطلقت من الجوامع» كان للمفارقة المكان الذي استضاف فعلاً أيام الجُمع مناصري الثورة من مختلف الطوائف، مسلمين وغير مسلمين، متدينين وغير متدينين كافلاً تحت سقفه «حرية العقيدة». ومن الجوامع نفسها انطلقت مظاهرات بعد صلوات بوم الجمعة، التي عرفت خطبها في العديد من المرات «حرية القول» بعيداً عن قمع النظام، وخطبه المكتوبة سلفاً في مكاتب الأفرع الأمنية، كانت المظاهرات تنطلق من الجوامع باحثة عن استعادة «سلطة الأغلبية»، الأغلبية السياسية لا الطائفية ... - راجع كتاب صادق النيهوم – جامع المختلف عليه. ص.445.

لقد تمكن الخلفاء، من السيطرة على مهام الجامع، وبتواصل السنين، وتغير الخلفاء، أخذت مهام الولاة، فيما يختص بالنظر لاحتياجات الناس من تفسير وإعانة ومساعدة، تتقلص رويدا، إلى أن تمحورت المعايير حول سيادة رئيس الدولة وتلخصت في نقطتين مهمتين، مثلما ذكرت صاحبة كتاب «السلطانات المنسيات»، إحداهما تمس الجامع مباشرة، وهي تلك، يشترط: ذكر اسم رئيس الدولة في خطبة صلاة يوم الجمعة، والثانية نقش اسمه على العملة.

والحقيقة أن خطبة الجمعة هي تلخيص لما يجري في مسرح الدولة السياسي، ففي الحرب يسمع، ويتابع المسلمون ما يجري في جبهات القتال، وفي السلم، يتجمع المسلمون قبيل لصلاة الجمعة بعد سماع خطبتها، التي في الغالب تتناول القضايا الاجتماعية، والدينية، وتنظيم العلاقات وتوضيح ما يحتاجه المسلمون من تفسيرات حول دينهم ودنياهم. هذه الخطبة يقولها الخليفة دون سواه. غير أن حادثة تناولها العديد من المؤرخين الإسلاميين وجميعهم اتفقوا على أن الخليفة الأموي «الوليد بن يزيد بن عبدالملك»، المعروف باسم الوليد الثاني، وهو الخليفة الحادى عشر وقد تولى السلطة سنة 743 ميلادي، ويعد أكثر الخلفاء فساداً وانحلالاً في التاريخ الإسلامي، اشتهر بشرب الخمر والسكر، والاستهتار، وصل به حد تكليف جاريته (نوار) المغنية بالظهور على المحراب لتؤم المؤمنين للصلاة، وتزيد الكتب أن (نوار) هذه كانت كثيراً ما تظهر إلى جانبه متنكرة بثوب الخلافة ومصلية بالمؤمنين المذهولين! ونحن مررنا بعدد من النساء تولين مهام الحكم والخلافة ولكن ليس إلى درجة أن تقوم مقام الخليفة في إمامة المسلمين، والأدهى أنهما كانا مخمورين!
حادثة (نوار) جارية (الخليفة الوليد بن يزيد) هذه، المضحكة المبكية، التي قالت عنها الكاتبة، أنها نعي لأول أسرة إسلامية، تبرز أيضا تراكمات (مكنونات) وملاغم ذاكرة الذكورة الجماعية، المتراكمة عند الذكور لتأكيد عدم قبولهن (خليفات) يقدن المسلمين، إذ بينت الكاتبة كأنه فعل مخطط له لإبعاد النساء وتشويه قدراتهن على أن يكن خليفات يقدن المسلمين، والحقيقة قد لا نقبل هذا الرأي لأنه وقع من خليفة مستهتر، فاجر وثمل. وعلى الرغم من بشاعته، فإنني أستبعد أنه قام لإبعاد النساء عن سدة الخلافة. ومع ذلك صدقت عندما قالت: «أن وقوف المرأة في المحراب، مع ما يمثله من تصور مأساوي وساخر لظهور جارية متنكرة بزي خليفة، إنه إذ يشكل نعياً لأول أسرة (حاكمة) إسلامية ، فإنه أيضاً يظهر مكنونات وملاغم الذاكرة الجماعية التي لا تقبل خليفتها أن تكون أنثى!».