Atwasat

بعض «حرات» الأندلس و«خاتونات» آسيا (4- 7)

محمد عقيلة العمامي الإثنين 27 مارس 2023, 03:14 مساء
محمد عقيلة العمامي

(الحرة) اسم من التراث الإسلامي القديم، يُطلق على الزوجة الشرعية المتحدّرة من أسرة معروفة، لتمييزها عن تلك التي يبتاعها المرء من سوق العبيد، لتكون جاريةً أو محظيةً، وهي التي قد يعقد عليها ويتزوجها وتُنجب منه أيضاً، ولقد أُطلقت هذه الصفة على إناث وصلن مرتبة ملكات أو سلطانات.

(عائشة الحُرة) هي الأكثر شهرة، وهي المعروفة عند الأسبان باسم السلطانة (مادري أبوعبديل - Madre De Boabdil) وبوعبديل هذا تحريف لاسم محمد أبو عبد الله، الذي اكتسب إعجاب أعدائه وهو المهزوم.

لقد لعبت عائشة الحرة دوراً كبيراً في مُجريات الحروب التي أدّت إلى سقوط الإندلس، ومع ذلك قلّما يجد لها المرء ذِكراً في المراجع التاريخية لتلك الفترة، حتى إن المراجع وصفتها بأنها إحدى الشخصيات «النبيلة والساحرة في تاريخنا»؛ والمقصود نهاية الأندلس. فهي التي عملت على نقل السلطة من زوجها العجوز علي أبي الحسن إلى ابنها محمد أبوعبد الله آخر ملوك غرناطة، الذي ظلّ يتبع نصائحها وتوجيهاتها لأكثر من ثلاثين عاماً، استطاعت خلالها عائشة الحُرة التصدي لمؤامرات أسيرة الحرب الإسبانية ايزابيلا التي تظاهرت باعتناق الإسلام واتّخذت اسم ثُريا، وعبْر مفاتنها ودلالها استطاعت أن تسيطر على السلطان علي أبي الحسن وتوجّهه حيث ما ينفع أقرباءَها.

لقد عملت عائشة الحرة على إحلال ابنها أبي عبد الله محل والده، فتأخّر سقوط غرناطة لأكثر من ثلاثين عاماً.

سقوط غرناطة شجّع «حُرَّات» أخريات لم ينخرطن في حياة الحريم مسترخيات يتقلبن طوال الوقت من وسادة إلى أخرى. بل فضّلن الحرية والمغامرة، منهن مغربية من أصل أندلسي فضّلت أعمال القرصنة وبرعت فيها حتى أصبحت حاكمة تطوان، اشتهرت وتحالفت مع القرصان التركي الشهيربارباروس، ومن بعد وفاة زوجها تزوّجت ملك مراكش أحمد الوطاسي، وأقامت حفل زواجها في بلادها تطوان وليس بلاده مراكش. وتقول المصادر إنها المرة الأولى فى تاريخ المغرب التي يتزوج فيها ملك خارج عاصمته، والحقيقة أنها لم تُلقب بالحُرة إلاّ بعد موت زوجها واختيارها لتكون والية على تطوان.

كلمة «ست» فيما يبدو، كانت لقباً تكتسبه النساء المتميزات، اللواتي لهن مواهب استثنائية، ولعل تكريم الأنثى شعبياً في مصر بمخاطبتها «ست الكل» مستمد مما وصفت به نساء كثيرات فرضن وجودهن بمميزات، لعلّ معرفتهن وحسن تفاسيرهن للعلوم الدينية سبب هذا التبجيل ومنهن: ست العرب بنت محمد فخر الدين، التي انتشر عنها الكثير من الأحاديث، وست القضاة مريم بنت عبد الرحمن، وست الكتبة «الدمشقية» نعمت بنت علي ست الملوك، وست الوزراء بنت عمر بن أسعد.

وتجدر الإشارة إلى حالات تولّين فيها سلطة ـ إما عسكرية أو دينية - كتلك التى تحصّلت عليها الملكة اليمنية ابنة الإمام الزيدي الناصر لدين الله، فهي التى استولت على صنعاء بقوة السلاح، وحملت لقب «الشريفة فاطمة»، وكذلك بالنسبة لغالية الوهابية وكانت جسورة في إعداد الاستراتيحيات لدرجة أسبغ عليها أعداؤها موهبة سحرية جعلت القيادة الوهابية غير منظورة!!

وهكذا فإن لفظ ملكة وسُلطانة وحُرة وست، ألقابٌ أُطلقت على نساء أدرن شؤون الدولة أو شاركن في إدارتها في الوطن العربي والإسلامي .

أما كلمة «خاتون» فهي لقب جاء من بلاد (الصُفد) واستعمله السلاجقة، ولعل أشهرهن دوقوز خاتون زوجة هولاكو ابن جنكيزخان الذي أخضع بغداد إن لم نقُل دمرها.

وقد لوحظ بعد الإسلام وقبله عادات وأعراف سكان السهوب الأسيوية، الذين كانت اجتماعاتهم مع المسلمين وغيرهم لا تخلو من حضور النساء، وكان الأتراك والتتار يوزّعون أوامرهم مصدّرينها كالتالي: «بأمر السلطان والخاتونات» وبالتأكيد جمع السلطان للقب «الخاتون» يعني أن حريمه كلهن سلطانات على نحو ما!