Atwasat

تتعارك الرياح والصاري الضحية

جمعة بوكليب الأربعاء 15 مارس 2023, 07:00 مساء
جمعة بوكليب

الحرب على المهاجرين القادمين على متن قوارب مطاطية من فرنسا، عبر القنال الإنجليزي، أُعلنت في بريطانيا، الأسبوع الماضي. آخر الإحصاءات الرسمية البريطانية تؤكد أن عدد المهاجرين الذين عبروا القنال، منذ بداية هذا العام 2023 وحتى الوقت الحاضر، وصل إلى 46 ألف مهاجر، ويتوقع وصولهم إلى 80 ألفاً بنهاية العام. الحكومة البريطانية تدفع يومياً ما بين 7 و8 ملايين جنيه إسترليني قيمة تكاليف إقامة المهاجرين في فنادق، بالإضافة إلى تكاليف الإعاشة والعلاج.

الحرب أعلنت في بيان صدر عن مقر رئيس الحكومة ريشي سوناك، قبل قيامه بزيارة رسمية إلى باريس. حكومة السيد سوناك المحافظة، عبر وزارة الداخلية، تحت قيادة السيدة سويللا بريفرمان، أصدرت مشروع قانون لتقديمه للبرلمان، وبموجبه يحرم المهاجرون القادمون إلى بريطانيا، بشكل غير قانوني عبر القنال، من حقوق اللاجئين، التي تضمنها المواثيق والمعاهدات الدولية. ويصير من حق الحكومة ترحيلهم إلى البلدان التي جاءوا منها، أو إلى بلد ثالث. وفي حالة بريطانيا تكون رواندا البلد الثالث، لوجود اتفاقية موقعة بين البلدين. علماً بأن السيد سوناك والسيدة بريفرمان من المهاجرين، ومن أصول هندية.

مشروع القانون الجديد وصل إلى البرلمان، ومن المتوقع أن يعبر الحواجز البرلمانية سريعاً، ويصبح قانوناً رسمياً خلال الفترة القريبة المقبلة، بعد حصوله على الختم الملكي.
لدى لقاء السيد سوناك بالرئيس الفرنسي ماكرون في باريس أخيراً، اتفق الجانبان على محاربة تهريب البشر عبر القنال. وتعهدت بريطانيا بدفع ما يزيد على نصف مليار جنيه إسترليني لحكومة باريس، بهدف تعزيز حراسة الشواطئ الفرنسية، وتجنيد المزيد من القوات، ودعمها بأجهزة مراقبة إلكترونية.. إلخ. الرئيس ماكرون لم يوافق على طلب رئيس الحكومة البريطانية برد من يصل إلى الشواطئ البريطانية من المهاجرين إلى فرنسا، مبرراً رفضه بأن الأمر من اختصاص دول الاتحاد الأوروبي.

ضحايا الحرب الجديدة لا يقتصرون على المهاجرين، ولا المعاهدات الدولية المتعلقة باللاجئين الموقع عليها من قبل بريطانيا، بل طالت الحرب أيضاً عشاق كرة القدم، وكادت تصيبهم في مقتل. وما حدث هو أن معلقاً رياضياً بريطانياً محبوباً ومشهوراً اسمه غاري لينيكر، وكان لاعب كرة قدم سابق، و«كابتن» المنتخب الإنجليزي، نشر على موقع التواصل الاجتماعي تغريدة، رداً على تصريح لوزيرة الداخلية قالت فيه إن بريطانيا تواجه طوفاناً بشرياً من المهاجرين يريدون المجيء إليها. السيد لينيكر انزعج من التصريح، ورد بتغريدة على حسابه في موقع تويتر قال فيها: «ليس هناك أي طوفان. نحن في بريطانيا نقبل أقل عددٍ من طالبي اللجوء بين كبريات دول أوروبا. إننا نشهد سياسة بالغة القسوة موجهة ضد أناس ضعفاء للغاية، ويُعبر عنها بلغة لا تختلف كثيراً عن اللغة المستخدمة في ألمانيا خلال عقد الثلاثينيات...» ويعني بذلك اللغة التي كان يستخدمها النازيون في ألمانيا. تلك التغريدة أطلقت كل الكلاب وراءه. الحكومة ونوابها من المحافظين شحذوا سيوفهم للرد على السيد لينيكر، ثم وثبوا على هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» عدوهم التاريخي اللدود.

المحافظون لا يكفون عن اتهام الهيئة بالميل إلى اليسار. والسيد لينيكر يقدم برنامجه الرياضي الأسبوعي، واسمه مباراة اليوم – Match of the day، في القناة الأولى، ويشاهده الملايين من عشاق المستديرة. وهو في الوقت ذاته ليس موظفاً في بي بي سي، وبرنامجه لا علاقة له بالتعليقات والتحليلات والبرامج الإخبارية السياسية. والتغريدة التي أطلقها تعبر عن رأي شخصي يخصه هو لا غير، وحق من حقوقه، التي يحظى بها غيره من المواطنين في بلد ديمقراطي. إلا أن المحافظين نددوا بالهيئة مدعين أن ما قاله السيد لينيكر يؤكد ما كانوا يرددونه دائماً، وهو أن الهيئة غير محايدة كما تدعي. هيئة الإذاعة البريطانية تتصف بوضعية مميزة. فهي تابعة للدولة، لكنها مستقلة إدارياً ومالياً، وميزانيتها السنوية تأتي من الرسوم السنوية التي يدفعها المواطنون البريطانيون، وتصل إلى المليارات من الجنيهات. كما تأتي أيضاً من بيع برامجها إلى محطات أجنبية وغيرها. والمفترض ألا تتورط الهيئة في الانحيار السياسي إلى أي جانب.

من جهة أخرى، قبل بدء الحرب الأخيرة، كان رئيس الهيئة في موضع اتهام وتعرض للتحقيق. ولكونه من أنصار حزب المحافظين، وصديقاً لرئيس الحكومة الأسبق بوريس جونسون، توسط لصالح السيد جونسون في الحصول على قرض من صديق آخر. وكافأه السيد جونسون على ذلك بأن أوصى بحصوله على منصب الرئيس التنفيذي للهيئة، حين تقدم، بعد ذلك، لملء المنصب الشاغر.

اجتمع مجلس إدارة الهيئة برئاسته وقرر وقف السيد لينيكر عن الظهور في تلفزيون «بي بي سي»، لخرقه مبدأ الحيادية. ورفض السيد لينيكر الاعتذار، وحصل على دعم شعبي كبير لموقفه، كما دعمه زملاؤه من المعلقين الرياضيين في البرنامج، ورفضوا الظهور في البرنامج من دونه.
يقول مثل شعبي: «يتعاركوا الأرياح، إيجي الكيد عالصاري». والمعنى، أن عشاق الكرة من متابعي البرنامج في كل بريطانيا «كلوها يابسة» وصاروا هم الضحايا، بحرمانهم من برنامجهم الرياضي المفضل.