Atwasat

تصعيد حالة الحرب من أجل إيقافها

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 29 يناير 2023, 03:56 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

صاحبت الصراعات والنزاعات والاقتتال البشر منذ ظهورهم. كان محور هذه الأفعال يتركز على مصادر الحياة من طعام وماء. ثم مع تحول جماعات بشرية عديدة من حالة التنقل والترحل إلى حالة الاستقرار، بعد استئناس النبات والحيوان، وإنشاء القرى الزراعية والمدن، امتد النزاع إلى محاولة الاستيلاء على مساحات جديدة من الأرض الخصبة. ومن ثم تطورت أشكال الحروب ومداياتها وتطورت صناعة الأسلحة، إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه الآن.

لم تكن الحرب فعلا يُلجأ إليه في ذاته، فهي مكروهة من الجميع. لكنها فعل اضطراري يُلجأ إليه لتأمين مصادر الحياة والدفاع عن النفس وعن مقومات البقاء واستدامة الوجود. واتخذت الحروب قواعد تمكن تسميتها بـ "قواعد اللعبة" وهو ما صار يعرف الآن بـ "قواعد الاشتباك" من أجل تخفيف ويلات الحرب قدر المستطاع.

عادة ما يجري الإحماء للحرب بإجراءات تعبئة داخلية، من جانب، واستفزازات ومناوشات ضد الطرف المستهدف بالحرب، من جانب آخر.

يبدأ الطرف الذي يأنس في نفسه القدرة على خوض الحرب وكسبها في إيجاد تعلات وتبريرات لهذا الفعل. وإذا كان الطرف المستهدف يعتقد في نفسه القدرة على خوض غمار الحرب ودحر المعتدي فإنه يتخذ إجراءات مماثلة يُصعد بها حالة الحرب. إذا انتهت الحرب بهزيمة أحد الطرفين هزيمة كاسحة مهينة يخضع الطرف المهزوم إلى شروط المنتصر. وإذا طال أمد الحرب، بسبب وجود حالة من تكافؤ القوة بين الطرفين، تتجه الجهود إلى محاولة التفاوض لإيقاف الحرب وإنهائها بما يراعي مصالح الطرفين وعدم المساس بها وفق اتفاقات وتعهدات متبادلة.

هذا يقودنا إلى الحديث عن الحرب الروسية- الأوكرانية المستعرة حاليا. فطرفا الحرب (حلف الناتو بقيادة أمريكا، الداعم لأوكرانيا) وروسيا، يقومان الآن بعمليات تصعيد وتسعير للحرب التي تقف الآن على حافة هاوية حرب نووية تفني الحياة على كوكب الأرض ويحتمل أن تخل بنظام الكون بمجمله.

ومع ذلك يظل احتمال قيام حرب نووية من هذا النوع مستبعدا، ومن المتوقع أن يؤدي هذا التصعيد المتبادل إلى نقطة يقتنع فيها الطرفان بخيار الجلوس إلى منضدة المفاوضات والتفاهم وفق المعطيات الجديدة التي خلقتها حالة الحرب والتعهد المتبادل بعدم المساس بمصالح كل طرف وأمنه. فنتائج من هذا النوع لا يمكن التوصل إليها إلا من خلال حالة التصعيد إلى الدرجات القصوى ومن ثم اقتناع كل طرف باستحالة هزيمة الطرف الآخر.