Atwasat

لولا وجود الظلام لما بحثنا عن شمعة

أحمد الفيتوري الثلاثاء 24 يناير 2023, 12:56 مساء
أحمد الفيتوري

«خليجي 25»، الدورة الأخيرة من كأس كرة القدم لدول الخليج العربي، التي عقدت بمدينة البصرة، دورة مميزة، لقد تابعت منها ما أتيح لي، وقبل كان كأس العالم 22 بقطر ما تابعت جله، وفيهما تجلت روح التضامن بين البشر، وبرزت كرة القدم كفن ممتع، وأن حاجة البشر إلى الترفيه كحاجتهم للخبز، وحق ما ينسب للسيد المسيح: أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده.

ومن هذا فمن تابع «خليجي 25» لاحظ أن العراق بكل نكساته وصراعاته، خطى خطوة مميزة في تنظيم الدورة، في تكافل اجتماعي نادر، مثلما حصل في دورة كأس العالم 22 بقطر، وحتى أكثر، والرسالة المرسلة من البصرة والدوحة أن شعوب المنطقة قادرة على تجاوز محنتها ما تعيش في خضمها منذ عقود، وأنها تقفز عن محنتها وأن لديها مخزونا إيجابيا فاعلا، يوفر ما لا تستطيع توفيره الأموال الطائلة وجهود مؤسسات كبرى كالفيفا، ففي «خليجي 25» كما في كأس العالم 22 كانت الناس ملح الأرض والفعل المميز من أجل السلم والحياة.

من لم يرَ بالتأكيد سُر بما سمع، حيث انعكست روح التضامن البشري من أجل الفوز بحسن الختام وبتفاصيله أكثر، وفي هذا عمل كل فرد بالمستطاع إليه سبيلا، وديدن الجماعة الخروج، من بوتقة الجحيم الذي وضعت وصورت فيه المنطقة، وعلى الخصوص في العراق. ولعل الدرس الأول والأخير ما يقوله المثل: ما لا يطال كله لا يترك جله، وأن السبل للخروج من دائرة النار عدة، متى ما حفز الحد الأدنى من طاقة وحيوية البشر.

وهذا الدرس ليس نتيجة فحسب أو خلاصة لنموذج كهذا، لكن الأهم أن يكون الحافز لنا والقدوة من أجل النسج على المنوال، وكما تبين ليس ذلك بالأمر الصعب، فالبشر واحد وإن تباينت المعطيات والمقاربات، وعادة ما يتداعى الناس للتقليد لأنه السهل.

نعم نحن بحاجة إلى القدوة الحسنة، من يدرك الحكمة القائلة: أَشعِل شمعة بدل أن تلعن الظلام، فالمهرجانات قديمة قدم البشر، وفي تراث الشعوب أنه لا يطفئ النار مثل الماء، وهذا يعني أن جرعة ماء تطفئ سعير ظمأ حارق. وليتيسر ذلك لا بد من خطوة أولى، مشروع أول، عمل ما في حده الأدنى، فكرة من شاب يافع تدعمها حكمة مجرب كهل.

وسنأخذ المثل من واحتي ليبيا، هون ومهرجان خريفها السنوي ما لم يتوقف تقريبا، ثم غات التي استعادت مهرجانها هذا العام. لو اعتبرنا هذين نموذجين صالحين للعمل، فإنه يمكن إقامة مهرجان وطني في الزاوية، وآخر في طبرق، في مجالين مختلفين، ويمكن إحياء مسرح شحات وكذا صبراتة، بحيث تتنوع المهرجانات وتتفرع على مستوى البلاد.

كذا يمكن إقامة مسابقات دولية وإقليمية بتكاليف محدودة، وبغض النظر عن الأيدي النهابة، هناك ملاعب في بنغازي وطرابلس يمكن أن يتقاسما كأسا لكرة القدم لشمال أفريقيا تتبناه ليبيا، ويمكن إقامة مهرجان دولي للمدن والواحات القديمة في مدينة غدامس.
ومن خلال تجربة في مهرجان درنة الثقافي، تتوافر إرادة ورغبة البشر لإحياء أنفسهم ومدنهم، وفي هذا فليتنافس المتنافسون، وما لا يطال كله لا يترك جله.

فليبيا بحاجة ملحة وشديدة ومنطقتها إلى حد أدنى من الاستقرار، الذي لن توفره الإرادة السياسية حتى إن أرادت، لأنه أمر متعدد المشارب والمسارب، وقد أدرك شباب ليبيا ذلك من بلدة مزدة، التي نجح شاب منها في إقامة مهرجان سينمائي، إلى واحة إجخرة، ومن هذه أن المصالحة الوطنية لن تكن دون أرضية اجتماعية وثقافية ورياضية... إلخ، أي دون مبادرات اجتماعية دون قاعدة شعبية، ذلك لأنها ليست مسألة سياسية.

نحن الآن ومن هنا نبدأ، ومنه ولأجله، نعمل من أجل الحصول على دعم إقليمي ودولي، عبر المؤسسات والدول والمجتمع المدني. سيقول القائل من يأذن بذلك، وإن العراقيل ستوضع في الطريق، وأقول لولا وجود الظلام لما بحثنا عن شمعة... والسلام.