Atwasat

حكومة وحكمة

صالح الحاراتي الثلاثاء 17 يناير 2023, 12:26 مساء
صالح الحاراتي

رغم كل الفوضى التى تسود واقعنا السياسي، يجب ألا تتوقف أحلامنا الساعية إلى قيام دولة مدنية حديثة.. ويجب ألا نتوقف عن الحديث والكتابة عن الدستور والحاكم وصلاحياته والحكومة ودورها ونشأتها وحدود مسؤولياتها وكيف يتم تداول السلطة.

قال لى أحد الأصدقاء إن هناك من يقول إن «الحكومة» ليست بمعنى الحاكمية والحكم وإنما مشتقة من «الحكمة» بمعنى تدبير الاُمور وإحكام وضع الشيء في موضعه.. وبذلك فالحكومة تعتبر بمنزلة الوكيل للمواطنين وليست شيئاً آخر وراء الوكالة، والوكالة بدورها «عقد جائز» ولذا بالإمكان الذهاب إلى عقد جديد عند انتهاء مدة التعاقد.

قلت له يالها من تخريجة حكيمة! فهذا الفهم يؤكد أن «الحكومة» من حق الناس ولهم أن يختاروا من يقوم بتدبير أمورهم الحياتية.. بل يمكن اعتبار ذلك الفهم مدخلا يوضح ما يسمى فى عالم السياسة اليوم «تداول السلطة»، رغم أن ذلك الفهم، وللأسف، لم يرسخ فى عقلنا الجمعى بعد، وإنما السائد هو أن الحكومة تأتي بالغلبة ومن ثم يكون «تأبيد السلطة» من خلال تأبيد الحاكم والحكومة إلى أمد غير محدود من خلال ما يروج ويقال عن طاعة ولى الأمر فى كل الأحوال، ولذلك وبسبب تلك الطاعة ساد حكم الفرد والاستبداد طوال تاريخنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الاقتداء بما جاء فى المادة 40 من دستور الاستقلال:

<<الحاكمية لله وهى وديعة لدى الأمة والأمة مصدر السلطات».. من هذا النص أيضا يمكن القول إن الحكومة هى بالتأكيد من مهمة الأمة، ولذا ليس من الحكمة أن تسود فكرة الطاعة العمياء لولى الأمر، وليس صوابا أن يحتفظ اللون الديني للسياسة بقدسيته بل يجب أن يرضخ كغيره لشروط العمل السياسي. فليس هناك معصومية في العمل السياسي ولا ممنوعات لا تخضع للنقاش والتمحيص والنقد.

والإنسان الفرد حر بما يؤمن أو لا يؤمن طالما كانت أفعاله وتصرفاته وتفاعله مع الآخرين ضمن الشرائع والدساتير المتفق عليها في المجتمع وليست مفروضة عليه فرضا، لأن حرية الاختيار متروكة له وسيجازى بناء على اختياره، فسلوك هذا الطريق أو عدم سلوكه هو من شؤون الإنسان نفسه وعليه أن يتحمل نتيجة اختياره.

وهنا يأتى السؤال.. هل ورد في الإسلام «شكل خاص ومحدد» للنظام السياسي؟

الإجابة فى تقديرى وبشكل مباشر.. لا، ولكن المشكلة تأتي من خطاب الذين ينغمسون فيما يسمونه «الخصوصية»، وكأننا بدع بين البشر، وكأن ما أصلح العالم لا يصلح لنا، دون أن يدقّقوا بمفهوم «الخصوصية» ليدركوا أنها خصوصية فقيرة ومنغلقة؛ لأنها تختصر هوية الإنسان في بعد واحد سواء كان الدين أو العرق، بحيث يبدو أن القصد من المناداة بالخصوصية ليس إلا فرض نمط وتفكير وفهم واحد، بهدف احتكار الحقيقة وتمكين نمط الاستبداد.

نعود للحكومة والحكمة وتدبير الأمور وليست الحكم والحاكمية، لكى نؤكد على تلك المسألة المحددة والمتعارف عليها فى النظام الديمقراطى، والداعية إلى عدم تأبيد السلطة وإنما تداولها؛ وبالتالى لا وجود لحكومة أبدية، وإنما عقد بين الحاكم والمحكوم الذى من حقه فسخ العقد إذا أخلت الحكومة أو الحاكم بشروط التعاقد.

يبقى حديث آخر مهم، وهو كيفية فسخ العقد عند الإخلال بشروط التعاقد، والإجابة يجب ألا تذهب بنا إلى اختراع العجلة، ولكنها باختصار شديد، تتحقق من خلال النص فى الدستور على تحديد مدة الحاكم، أي الرئيس ودوره ونهاية مدة ولايته، وأيضا تحديد كيفية تكوين الحكومة وانتهائها، إلى غير ذلك من البنود التى تؤكد على تداول السلطة، ومن هنا تبرز أهمية القاعدة الدستورية قبل الشروع فى آلية الانتخابات الدورية.