Atwasat

عقول

صالح الحاراتي الأربعاء 28 ديسمبر 2022, 03:09 مساء
صالح الحاراتي

معلوم أن الإنسان تميز عن سائر المخلوقات بالعقل والقدرة على التفكير والتحليل.. فالعقل هو أداة التمييز والفهم والإدراك، وبعيداً عن الجدل والاختلاف في طبيعته وماهيته، ومهما كانت طبيعة العلاقة بين العقل والدماغ، فمن المتفق عليه، أن العقل هو ما يجعل الإنسان يملك وعياً ذاتياً، ويفهم ويستجيب للمتغيرات حوله ويمتلك وعياً يتضمن التفكير والشعور.

قد نصادف في حياتنا من يتحدثون عن شخص ما ويصفونه بالإنسان صاحب العقل المنفتح أو(open-minded)؛ وهذه العبارة في الترجمة الحرفية المباشرة تعني أنه إنسان على استعداد للتقبل والنظر في أي أفكار جديدة، وغير متحيز؛ أي أن يكون لذلك الإنسان أفكاره وآراؤه وتوجهه السياسي وسلوكه ونسقه القيمي، وفي الوقت نفسه لا يجد غضاضة أو نفوراً من الأفكار المختلفة والآراء المغايرة أو سلوك ومظهر الآخر، طالما لا يحاول الآخر فرضها عليه.

فصاحب العقل المنفتح يؤمن بأن الإنسان بشر، والبشر قد يجتهد ومهما كان اجتهاده للوصول إلى القرار الصحيح، فإن احتمالات الخطأ واردة، ولا بُد من تداركها، ولن يكون هذا إلا بالاعتراف بالخطأ ابتداء.

وبالمقابل لهذا العقل نجد صاحب العقل المتحجر أو الوثوقي، الذي يلجأ إلى تصنيف الآخر وإصدار الأحكام واحتكار الحق واحتقار المخالف والانغلاق على الأفكار الشخصية واعتبارها الحقيقة المطلقة التي لا تقبل النقاش أو المراجعة، فهو باختصار لا يمت «لسعة الأفق» أو العقل المنفتح بصلة؛ بل هو نهج متطرف بامتياز سواء كان منطلقه دينياً أو عنصرياً أو قبلياً..الخ، ورغم تنوع منطلقات ذلك العقل فهو يقوم على موقف حاد من مجموعتين من الأفكار والمبادئ فهو من جهة يؤمن إيماناً مطلقاً بمجموعة من المبادئ ويتشكل منها (ربما بحكم النشأة الاجتماعية) ثم هو في الوقت نفسه يأخذ موقفاً حاداً من الأفكار المخالفة لما يؤمن به.. بحيث لا يستطيع أن يتصور أن في العالم سوى فريقين فريقه هو وفريق خصمه.

نعود إلى صاحب العقل المنفتح الذي يتميز بوجود محطات في حياته يفترض أن يراجع فيها نفسه ويصحح فيها مساره، حتى لا يسترسل في خطأ وقع فيه، أو هوى انساق إليه، فإذا كان هناك ثمة خطأ أو هوى عالجه قبل أن يستفحل؛ لأن الذين يحددون لأنفسهم قناعات لا يحيدون عنها، أو قرارات لا تقبل المراجعة والتصحيح، لن يسلموا بقناعاتهم من أخطاء كارثية.

في مجتمعاتنا هناك من يريدون للعقل أن يظل أسيراً مقموعاً، إذ يعتقدون أن المجتمع الفاضل هو الذي تكون عقول أفراده منغلقة على رؤية أحادية ويصغون فقط لما يعتقدون، ولا يرون صواباً في الرأي سوى صواب آرائهم التي يحاولون إكراه الناس على قبولها وإن جرى رفضها، فلا نرى منهم إلا الأحكام المعدة سلفاً والجاهزة من قبيل التسفيه والإنكار وتشويه السمعة والتخوين والتكفير .

إنهم يشابهون قمعية أي ديكتاتور والفرق أن سطوتهم ليست بسبب قوة ما يعتقدونه ويؤمنون به، لكنه في ظني بسبب ضعف المضطهدة عقولهم الذين يتراجعون عن أفكارهم ورؤاهم.

حدثنى صديق عن نموذج لعقل آخر، يحمل صفة العقل المنفتح والمغلق في آن واحد، ذلك الذي يجادل «وهو تحت تأثير وتغلغل الركام المعرفى السائد بحكم التنشئة» واصفا إياه.. بالإرهابي المستنير!