Atwasat

انطباعي عن الانطباعيين

محمد عقيلة العمامي الإثنين 26 ديسمبر 2022, 12:16 مساء
محمد عقيلة العمامي

عثرت ضمن أعداد قديمة على العدد 3235 من مجلة صباح الخير الصادر 9/1/2018، فمنذ ستينيات القرن الماضي كنت من المواضبين على قراءة هذه المجلة، وغيرها من المجلات المصرية، أعترف بأنني تقاعست، ثم انقطعت منذ سنوات عن متابعتها بسبب سيطرة شبكة العناكب المتوحشة، التي سيطرت تمامًا على البشر كافة، حتى إن قلة منهم فقط من يحيون أسراهم قبل أن يفتحوا شاشات هواتفهم!

وأخذتني صباح الخير مجددًا، هذه المرة بسبب لوحات تشكيلية وكاريكاتورية، وانتبهت إلى أنني تناولت طوال العام الماضي بمعدل موضع تشكيلي أسبوعيًا، ابتدأته بالفنانين العالميين ثم الليبيين، لكنني لم أنتبه إلى أنني من الجيل الذي تفتحت عيناه على التشكيل المصري! تذوقي للفن تأسس على رسومات فناني مصر الذين أمتعونا بلوحاتهم، خلال ستينيات القرن الماضي، على صفحات المصور، وآخر ساعة، وصباح الخير، وروز اليوسف، وتظل المجلتان الأخيرتان هما الأساس، فلقد كنا مأخوذين بالرسوم الكاريكاتورية الساخرة، وهي التي عرفناها من خلال الرسام (صاروخان) و(طوغان) وصولًا إلى: جاهين وحجازي ومصطفى حسين وبهجت وإيهاب وبهجوري وليثي ورجائي وحسن حاكم وناجي كامل واللباد وجمعة ورؤوف ودياب، ولا يزال إبداع هذا الفن مستمرًا.

أما التشكيل الانطباعي، فوصلنا متأخرًا، بل لم ننتبه إليه، وحتى أكون دقيقًا أنا شخصيًا لم أنتبه إليه إلا متاخرًا وكنت لسذاجتي، أرى وكأنه تطور لفن الكاريكاتير، ولم أعرف النقلة الفنية إلا من خلال الفنان عبدالهادي الجزار، الذي تعجبنا منه كثيرًا عندما عرفنا أنه ترك دراسة الطب ليصبح رسامًا.

وبالطبع لم ننتبه، حينها إلى أن مصر تعد إحدى أعرق حضارات النحت والرسم، فعمرها الآن أكثر من سبعة آلاف سنة.

وسط انتباهي وحيرتي، تسلط عليّ سؤال وجدته بالفعل محيرًا: «ما الغاية من الرسم التشكيلي، بل ما الفائدة منه وأصبح الضغط على زر هاتفك، كفيلًا بمنحك صورة دقيقة للغاية لأي منظر تريد أن تزين به جدار بيتك؟»، فالتصوير الفوتوغرافي وفر لنا صورًا مناسبة للغاية لأجزاء البيت كله، بما في ذلك تلك التي لا تحتاج لأي زينة بسبب مهمتها الحياتية اللازمة طوال النهار، والليل أيضًا، لأفراد العائلة كافة، وأنا أقرر ذلك لأنني كثيرًا ما وجدت لوحات لتزيين زوايا لا يمكن إضافة شيء إليها فهي أماكن نحتاجها فقط لمهمة واحدة، وهي (... الراحة).

في تقديري إنه من الصعب أن نفسر لماذا ننتقي لوحة، أو صورة بعينها لنزيّن بها جدارًا من جدران بيتنا؟ ما المتعة ونحن نشاهد في مدخل بيت ما لوحة لوجه ذلك الطفل الباكي، التي انتشرت في بيوت الناس، منذ سنة 1950 وهي تلك التي رسمها الفنان الإيطالي (جيوفاني براغولين)؟.. يفسر النقاد أن سر ذلك يكمن في النظر إلى بشرة الطفل وإحساس المشاهد بنعومة هذه البشرة الحريرية، التي لا تتفق وحزنه وبكائه، وهذا في الواقع ما ابتدعته ريشة الفنان راينوار مبكرًا.

ومن بمقدوره أن يفسر ألوان الفنان فان جوخ الانطباعية الكثيفة وضربات فرشاته القوية، التي فسرها من خلال رسالة إلى أخيه بقوله: «إن ضربات فرشاتي متسلسلة ومتماسكة مثل كلمات قوية لرسالة أكتبها بانفعال من دون وعي حقيقي»، ولذلك وصل صخب روحه للمشاهد، وهو في الواقع لا يتطلع للتصوير الصحيح، ولا يستخدم الألوان القريبة لموضوعه، بل يستخدم منها ما يبرز مشاعره تجاه ما يرسمه، مستخدمًا ألوانًا كثيفة، هي التي أبرزت لوحاته، منها على سبيل المثال: «حقل القمح وشجرة السرو» (1889)، و«ليلة النجوم» (1889>>.

الفنان عوض اعبيدة، قدم لنا سيرة بنغازي من خلال فن تصويري دقيق وبديع موظفًا باقتدار ألوان الشوارع المتربة، وألوان الأبواب التي نادرًا ما تكون غير خضراء، وألعاب طفولتنا البسيطة، أما الفنان محمد الزواوي، فيعد أفضل من رسم الشخصية الليبية الغاضبة القاسية بشواربها الكثيفة ونظراتها الثاقبة القاسية، مع (تعنقيرة) الطاقية الليبية الحمراء الشهيرة، فكانت رسوماته وصفًا دقيقًا لما كتبه الأديب صادق النيهوم مقدمًا به شخصية الحاج الزروق.

وعلى الرغم من قسوة التقاطيع وحدّتها تظل اللوحة ساخرة مبهجة، والخلاصة أن متعة النظر والرؤية للوحة يحكمها ما يعتمل في صدر الرسام من فتاة آخاذة رائعة الجمال، ومع كل ذلك يندر أن يتفق اثنان على مدلول لوحة محددة المعالم والمعنى، ولكن المتلقين بالتأكيد يستمتعون بجمال وتناسق الألوان.

أعترف أن مقالي هذا أعددته لتقديم ما أستطيع تقديمه عن فن التشكيل المصري، فلقد أفنيت الأسابيع الثلاثة الماضية أبحث عن لوحات معينة، فشاهدت إبداعًا عجيبًا أخذني إلى ما أثرى به فنانو مصر التشكيليين منذ مطلع الستينيات حتى الآن، فشاهدت عجبًا! وسوف أحاول أن أقدمه للمأخوذين بالفن التشكيلي وهم كُثر، منهم فنان ليبي رأيت له (اسكتش) للوحة حزينة تبرز وجع الناس من خطف مواطن يقترب من عقده الثامن، فيما يتباهى به من نفذوا هذا العمل المزري المشين والمعيب أيضا.