Atwasat

فجر الحرية

محمد عقيلة العمامي الإثنين 19 ديسمبر 2022, 07:43 مساء
محمد عقيلة العمامي

(آه لو أن لصوتي القدرةَ على أن يهّز النفوس
لمَ هذا اللهب المتوقد، عبثاً، في صدري
ولم تمنح لي موهبة الكلمة الرهيبة؟
أتراني أرى شعبنا، يا أصدقائي، وقد تحرر
من جور العبودية بأمر من القيصر؟
أو لم يحن لفجر الحرية الوطيئة الرائع
أن يشرق على وطننا أخيراً؟)
----------------------

بهذه القصيدة بشر مبكرا «بوشكين»- 6 /6/ 1799 - 10 /2/ 1837- شاعر روسيا الكبير بحتمية حرية روسيا من سيطرة نظام القياصرة والإقطاع. حدث ذلك في الحقبة الرومانسية، مثلما تعارف عليها المؤرخون الذين يعتبرون «بوشكين» مؤسس الأدب الروسي الحديث. والذين يرون أنه تأثر بالتراث الروحي للشرق العربي الإسلامي، متخذين من مجموعة قصائده «قبسات من القرآن» شاهد على قناعاتهم.

ويعد «بوشكين» أحد أبرز فلاسفة القرن الثامن عشر الداعين إلى حرية الإنسان ونبذ كافة القوانين السياسية والاجتماعية التي تكبل حريته، وكان ذلك محل صدام مباشر بينه وبينه قيصر روسيا الشهير «نيكولاي الأول». كانت المجابهة شديدة بينهما، حتى إن القيصر نفاه إلى جنوب روسيا لسنوات، وأحيكت له مؤامرات انتهت بموته في مبارزة قتالية تبدو وكأنها قانونية. كان ذلك نتيجة تأثرة بأفكار أوروبا الغربية، خلال عصر التنوير والثورة الفرنسية.
والحقيقة أنني لا أنوي تأريخ سيرة هذا الشاعر الرومانسي الثائر بقدر ما أريد تقديم ملخصا بسيطا لسيرته وصولا إلى وثيقة إلى وثيقة تلقى ضوء على بعض الحقائق غير المعروفة، خصوصا في وقت مجابهته للقيصر، والتي أرى أنه من المفيد أن ننتبه إليها، إذ لعلها تساعدنا على تفهم الحالة الليبية الراهنة!

الوثيقة معروف كاتبها، ونشرها خلال شهر فبراير سنة 1938 في جريدة اسمها النهضة كانت تصدر في باريس في ذلك التاريخ، وهذا ما ورد في كتاب عنوانه : «جوانب أخرى من حياتهم» وهم خمسة أدباء روس مشهورين منهم الشاعر بوشكين، الذي مما قال نقتبس بعض منه لعله يفيدنا بطريقة أو أخرى. يقول بوشكين، من بعد نقاش بينه وبين القيصر:

«... لقد أدركت أن الحرية المطلقة، غير المحكومة بأية قوانين إلهية أو مبادئ اجتماعية، هي تلك الحرية التي يحلم ويثرثر بها الأطفال والمراهقون والمجانين، وهي أمر غير ممكن. ولو كانت هذه الحرية ممكنة، فسوف تكون مدمرة لكل من الشخصية الفردية والمجتمع على حد سواء. وأنه بدون السلطة القانونية التي تسهر على الحياة العامة للشعب لِمَا كان هناك وطن أو دولة بقوتها السياسية ومجدها التاريخي وتطورها، ففي دولة مثل روسيا حيث عناصر الدولة غير المتجانسة واتساع المساحة، وجهل الشعب- وجهل طبقة الملاك أيضا! تطالب الجماهير بالتأثير الموجّه القوى- في مثل هذه الدولة تكون السلطة موحدة وقادرة على برمجة الشعب وتربيته، وأن تظل لفترة طويلة دكتاتورية، أو خاضعة لحكم الفرد الواحد.. وبالطبع، فهذا الإطلاق، وهذا الحكم الفردي المطلق للفرد الواحد الذي يكون فوق القانون، لأنه لابد أن يسن هذا القانون وينفذه، لا يمكن أن يظل المعيار الوحيد الثابت الذي يحدد المستقبل من دون تغيير. إن الحكم الملكي المطلق حتما، ولابد أن يتعرض للتغير التدريجي، فهو لن يقتسم أبدا السلطة بالمناصفة مع الشعب، ولكن ذلك لن يحدث هكذا بسرعة، لأنه لا يمكن أن يحدث بسرعة، بل يجب ألا يحدث بسرعة..».

ومرت روسيا بالعديد من النقاشات لعل أبرزها المناقشة التي دارت ما بين الشاعر بوشكين والقيصر نيكولاي الأول، والتي لخصنا منها رأي القيصر أعلاه وكان قبل قيام الثورة الروسية بحوالي حقبتين، والتي يقسمها المؤرخون إلى مراحل ابتدأت عام 1917 نتيجة مظاهرات عمت البلاط سقط على إثرها القيصر نيكولاي الثاني وتولى أخوه ميخائيل رومانوف الحكم.

ولم يستقر الوضع تماما حتى قامت ثورة البلاشفة التي قادها الزعيم فلاديمير لينين 25- 10-1917م اشتدّت الثورة وأقام نظام «المجالس» الاشتراكية، فـ«السوفيت» كلمة روسية قديمة تعني المجالس التي تتكون من فئات الشعب من عمال وجنود وفلاحين. وضح مهامها ونشأتها الكاتب «جون ريد» الأمريكي الذي يعتبره الروس أكثر شيوعية من الشيوعيين، في كتابه «عشرة أيام هزت العالم» وأصبح الاتحاد السوفيتي أحد قطبي القوى في العالم، واستمر من سنة 1953 حتى 1991 تآكل هذا الاتحاد ونهايته سنة 1991.

إن ما وددت قوله إن قراءة هذين الكتابين ستفيد بالتأكيد من يريد أن يعرف ماذا يدور في إيطاليا وفي البرازيل أيضا؟
------------

• جوانب أخرى من حياتهم «بوشكين- جونتشاروف- جوركي- مايكوفسكس- راسبوتين» من إصدارات المجلس الأعلى للثاقفة إصدار 216- ترجمة أشرف الصباّغ