Atwasat

زاوية رؤية لـ«توأم الشعلة»..

أحمد الفيتوري الثلاثاء 29 نوفمبر 2022, 01:02 مساء
أحمد الفيتوري

الرواية بالضرورة حمالة أوجه، ليس للقارئ المُؤول فحسب، بل لكل قارئ، فتنوع التلقي لا يأتي بتعدد المتلقين، لكن يأتي قبل من الكتابة الصفر، من صنف الكتابة، ومن هذا أيضاً كل قراءة لرواية «توأم الشعلة» زاوية رؤية، لا يصح النظر إليها من معيار الصح والخطأ، ولكن يجب النظر إليها بمعيار الجدية والشغل الدؤوب، وقبل القراءة الماتعة الحصيفة، التي تدخل النص من باب الكتابة، أي تعيد كتابة النص بشكل ما، فالقارئ يقف مقام المؤلف، عند حدث أو صورة أو جملة تشده إليها، أو أن تجذبه شخصية متمردة عن سياق السرد في تقديره، فلا يسترسل القارئ هذا مع تدفق السرد، بل تجعله حالة الاستيقاف يعيد كتابة النص، هذا التشابك بين القارئ والنص، ما وكد أن لكل نص قراءة كما لكل قارئ.

في رواية أشرف عبد الشافي «توأم الشعلة» البنية السردية، تتيح للقارئ أن ينساب دون مثل تلك الوقفات، كما تمنحه ألا يسترسل مع حالة التدفق السردي، حين يقف عند النقلات التي تكسر سياق السرد، حيث النص لا يسلك نسقاً سردياً أحادياً، فهناك جمل تسرد حدثاً لا يكتمل، ثم ينتقل السرد إلى حدث خارج السياق، وهذا قد يعكس تشظي الشخصية من جهة، ومن أخرى أن النص سيناريو سينمائي، على القارئ له أن يكون المخرج. أما أن النص سيناريو سينمائي، فمرجعيته حيادية الكاتب تجاه شخصياته، ومنها الراوي الشخصية الانفعالية والمتدفقة دون ضوابط، ثم النسق السردي التجريدي، ما يصبغ مجمل الرواية، الذي لا يهيمن على مخيلة القارئ بل يطلق لها الزمام.

وقد أشار إلى شيء من ذلك الكاتب خليفة شعبان، في مقال نشر بجريدة النهار المصرية 10 أكتوبر 2022م: «ولا تخلو الرواية من أحداث أكشن، تظهر في وقائع، مثل هروب صديقة البطل، بصحبة عازف هارمونيكا فرنسي، تاركة زوجها رجل الأعمال الشهير، الذي أطلق رصاصة على رأسه ومات منتحرًا، وأحداث أخرى موظفة داخل الرواية لخدمتها، خاصة إظهار حالة الاغتراب والاضطراب، التي تسيطر على بعض شخصياتها تحت تأثير تعلقهم بـتوأم الشعلة».

بالإضافة لذلك فإن حكم القيمة السلبي، ما يسيطر على الرواية، تجاه شخصياتها، هو مسرود الشخصية الرئيسية/البطل (محمد جلال نور الدين )، من المؤلف يجعله يجول في الرقعة، منذ السطر الأول في الرواية وحتى الخاتمة، كما بطل أو نجم سينمائي، فاللقطة الأولى زوم على أُذنه، إنه «توأم الشعلة» الرواية: (همست في أذني: «علشان لما أقول لك أنا والزفت ده توأم شعلة، تبقي تصدقني!.»)، وهذه الجملة الأولى للرواية، ما تهمس بها (رشا الحديدي) الشخصية النسائية الرئيسية، ما يمدحها الراوي (جلال) في أول الرواية، ليذمها ويدخل في عراك معها في ختامها، وجلال هذا يتحدث عن نفسه، باعتبار أنه الكاتب السياسي، من يترك ذلك لأجل كتابة رواية، لكنه في السياق السردي الشخصية الساردة، لقصص الجماعة/ أصدقائه، الذين لا يحبهم ويتقاطع معهم فكرياً وعملياً، مع سرده لبعض من سيرته، ومنها لقائه (بسمة رامز- مديرة فرع بنكي التي تبتغيه كوسيط لتوأم الشعلة)، وهذا استثناء مفارق في سياق السرد، لكنه جوهري حيث يكثف كشف (جلال) كشخصية معطوبة، تفعل ما لا تريد، وتترك ما ترغب وتريد.

«توأم الشعلة» رواية الشخصية، مركزها البطل/الراوي، من تمنحه هذه المركزية كسر السياق السردي، فهو يتمظهر كسارد شفهي، حكواتي مثلًا أو راوٍ لفيلم صامت، ومن هذا النسق الراوي يسرد حدثاً لينتقل لآخر دون أن يكمل الأول، أو يتحدث العربية في فصيحها أو لهجتها المصرية، وهو ليس شخصية نمطية، فكما يبدو ناصرياً محترفاً، فهو سليل إقطاع وصديقه عمه، من على قطيعة مع الناصريين، أما جماعته/أصدقاء عمره منذ الجامعة، فهم أثرياء يهمهم اليين واليانغ * وتوأم الشمعة**، لا قراءة كتبه السياسية، التي أهداها لهم، وأكلها الغبار في بيوتهم!
ومن مرتكزات السياق السردي، علاقة (جلال) بأبيه وأخته (ناهد)، ففي النسق السردي هي علاقة مركزية «أوديبية» مع الأب، وأما علاقته مع أخته، فإن رشا صديقته تصفها بعلاقة «توأم الشعلة»، موضحة أن مثل الحالة ليست علاقة جنسية، ومن الممكن الاستدلال كذلك، بنظرة (جلال) إلى خطيب أخته، من ينعته بالأسود وبأوصاف مشينة أخرى، أو كما جاء في الرواية.
السياق السردي يتداخل ويتقاطع، لكن مركزيته الشخصية الرئيسية، ما تسرد جل الوقائع، وتصف الشخصيات بنعوت سلبية، فالأحداث ما تكثف حال التشظي والعطب، الذي يصيب الشخصيات في العلاقات، الحال الذي يقع تحت طائلته (جلال) نفسه، وما علامة اليين واليانغ وتوأم الشعلة إلا سيماء خارجية، أو أيقونة مضافة، كما يزدريها «جلال» يحتفي أصدقاؤه، ليست من قماشة النص، بمفرداته ودلالاته السردية المكثفة، إلا إذا اعتبرنا رأي (جلال) في العلامتين ما صدق، وبالتالي فإنهما إشارة إلى هيمنة الخرافة، رغم ذلك في تقديري لم تشِ به الرواية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*علامة اليين واليانغ، ‏ترمز لكيفية عمل الأشياء، في العلم الصيني القديم، الدائرة الخارجية تمثل «كل شيء»، بينما الشكلان الأبيض والأسود داخل الدائرة، يمثلان التداخل بين طاقتين متضادتين، طاقة اليين «الأسود»، وطاقة اليانغ «الأبيض»، الطاقتان المؤديتان لحدوث أي شيء في الحياة، كما جاء في الويكيبيديا.

**علاقة توأم الشعلة أو Twin Flame، هي علاقة عاطفية بين شخصين، يمكن أن يحدث بينهما زواج، وكل شخص له توأم شعلة واحد فقط، ولا يمكن أن تقابل في حياتك أكثر من توأم واحد، وأيضًا كما جاء في الويكيبيديا.