Atwasat

«كواشيك»!

صالح الحاراتي الثلاثاء 15 نوفمبر 2022, 03:07 مساء
صالح الحاراتي

في لهجتنا المحلية كلمة «كاشيك» تعني «الملعقة» والجمع «كواشيك».. قرأت أن أصل الكلمة تركية «kachik» والملعقة معروفة منذ قديم الزمن في العديد من الحضارات.. وكما هو معروف هي الأداة التي تقرّب وتضع الطعام في الفم بعد أن كانت اليد هي الوسيلة المباشرة.. وفي الربع الأول من القرن الثامن عشر ظهرت الملاعق بشكلها البيضاوي الضيق المنتهي بمقبض رفيع ثم ظهرت الملاعق بشكلها الحديث المتعارف عليه.. ويوجد في المتحف البريطاني العديد من التصاميم المختلفة للملاعق والتي تعود للعصر الحجري والحضارة الفرعونية.

بعد هذه الحوصلة المختصرة عن تاريخ الملعقة، أعود لما يعنينى هنا، وهو أن لهجتنا المحلية يتم فيها استعارة الكلمة لاستخدامها كناية عن «خدّام السلطة» أي الدائرة الأولى المحيطة بالديكتاتور، والذين يثق بهم نسبيًا ويعتبرهم اليد التي يبطش بها والمنفذون لكل ما يريد.

يقول ممدوح عدوان في كتابه «حيونة الإنسان»، واصفًا ما نسميهم بـ «الكواشيك»: إنهم «يتسلحون بسطوة النظام التي يمنحها لهم ليتملصوا من أي وازع أخلاقي وليحققوا مكاسبهم ويحموا مصالحهم، وتلك الحماية لا تتم إلا بإكمال خدمة النظام على أتم وجه».

فـ «الكواشيك» البشرية أداة من أدوات الديكتاتور يستخدمها لتحقيق مآربه.. وغالبًا ما تكون أعدادهم قليلة مقارنة بالدائرة الثانية حول الديكتاتور التي تتمثل فيما يسمى بـ «العوّالة» وهم أكثر عددا من «الكواشيك».. في القاموس يقال عَوَّل عَلَيه: أي اعْتَمَدَ عَلَيْه، اِتَّكَل عَلَيْه، واِسْتَعَان بِه..

وهم الذين يقومون بمهام الدعاية للحاكم بمختلف الوسائل، ويصطفون معه ويدافعون عنه بقوة ويهاجمون الناس المظلومين، أو بلفظ آخر هم «كلاب السلطة»، مع احترامي وتقديري الكبير للكلاب، لما تحمله من معاني الإخلاص والوفاء.

وهنا لا مفر من الإشارة إلى أن منهم بعض النخب والمثقفين المدجِّنِين الذين يسهل شراء صمتهم كي تنشأ علاقة بينهم والديكتاتور تحكمها جدلية الخوف والطمع؛ كل أولئك من الانتهازيين لهم دور مهم لتكتمل عملية صناعة الديكتاتورية، فالديكتاتور يسعى لصنع نظامه والشعوب هي التي توفّر لتلك الصناعة مستلزمات حضانتها ورعايتها حتى تستوي وتتمدد وتخنق الحياة من حولها، فيجد الديكتاتور كل المكونات جاهزة؛ إعلام تافه يمكّنه من إحِكام السيطرة على ما يُلقي في عقول الناس، إعلام يقوم بقلب الحقائق وتزييف الواقع.

المؤكد لديّ أن «كواشيك» و«عوّالة» السلطة هم الذين ينشرون الفساد والنفاق ويدّعون أنهم «تكنوقراط»، يعملون لصالح البلاد والعباد، بينما حقيقتهم تذكرني بما أورده آلان دونو في كتابه، نظام التفاهة..

«عندما يتحصّل التافهون لمواقع ومناصب لأي سبب من الأسباب، فإن ذلك يجعلهم يبحثون على أشخاص تافهين مثلهم لتحصين موقعهم، وعلى أساس هذا التخوف على الموقع تُبنى بالتدريج شبكة من التافهين تحصّن فيها كل نقطة بقية النقاط في الخريطة الاجتماعية، ومن ثمّ إسباغ التفاهة على كل شيء».

ولو تأملنا في أنواع «الكواشيك» البشرية لرأينا التنوع المذهل فى خصائص كل منهم.. ورغم جهود كل أولئك تعلمنا من التاريخ أن المنجزات الكبيرة لا تحتاج إلى التطبيل من أجل أن تكون عظيمة في عيون الناس.

وأخيرا وبعيدا عن الملاعق أختم بالإشارة إلى زمن الأكل بالأيدي وفلكلور «الرفس» بالأصابع، الذي لا يزال الحفاظ عليه أمرا مستحبا في بعض أنواع الطعام الشعبي وفي سلوكياتنا أيضا.