Atwasat

ليبيا في قبضة العفريت الأزرق!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 15 نوفمبر 2022, 01:16 مساء
أحمد الفيتوري

تابعت مصادفة حلقة من برنامج "تغطية خاصة"، على قناة الوسط، مساء السبت 12 نوفمبر 2022، حيث جرت مناقشة مقابلة، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية الليبية، السيد هاني شنيب، مع السيدة ستيفاني وليامز، المستشارة السابقة للأمين العام للأم المتحدة بشأن ليبيا، وقد علق السيد هاني شنيب حول المقابلة، وفي توضيح لفشل السيدة ستيفاني وليامز في مهمتها بليبيا، قال ما معناه: إن الليبيين لا يستطيع حلّ مشكلتهم حتى العفريت الأزرق!

ولأنني أهتم بالمسألة الليبية وأكتب عنها، منذ عقد من الزمان ونيف، إن المسألة الليبية ليست ليبية، لهذا اعتبرت أن تعليق هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية الليبية، زبدة اللقاء، وهكذا فإن ليبيا في قبضة العفريت الأزرق منذ زمنٍ طويلٍ، كما لبنان وسورية وتونس والعراق والصومال وأفغانستان وهلم جرا، وبالتالي حكم الضعيف عند القوي أو كما قال المثل.. فالمسألة الليبية مثل كان وأخواتها، فهي ترفع اسمًا وتستبعد خبرًا تحت استراتيجية أن الحلّ اللاحلّ، ولعل دافع شنيب إلى محاورة الأميركية وليامز، هو استيضاح ما حصل ويحصل وسيحصل لبلاده، فالعفريت الأزرق أميركي، سواء أكان في صيغة نيويورك أو صيغة واشنطن.

المسألة الليبية بالذات تحت مظلة الفصل السابع والقرار 1973، ومنذ 19 مارس 2011، في قبضة توماهوك، الصاروخ بعيد المدى ما ثمنه مليون دولار، وقد أطلق منه أكثر من 110 صواريخ على ليبيا/القذافي، في عملية فجر أوديسيا، التي لا أحد يظن أنها عملية مجانية، ما قد تكون عملية جراحية عاجلة وضرورية، لكنها قد لا تستدعي دائمًا الوجود الأميركي المباشر، فالمهمة بعد العملية توكل إلى المساعدين، ولا يعني ذلك ترك الحبل على الغارب، بدليل مشاركة كاملا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي جون بايدن، في مؤتمر باريس 12 نوفمبر 2021، وتعد أرفع مشاركة أميركية في المؤتمرات التي انتظمت لبحث الأزمة الليبية.

الحقيقة إنني أعدت سكب نفس اللبن في نفس القدح مرات ومرات، حتى أمللت من يقرأ ما يقرأ، لكن المسائل السياسية كالمسألة الليبية، تشبه نفسها كما تشبه كثيرًا غيرها، أي كما الحياة والموت، وما بينهما تفاصيل تتنوع لكن المحصّلة واحدة.. فما المتغير هذه الأيام؟ يعاد تدوير ليبيا: بين برلين 3 محتمل، بين لقاء المنفي مع ماكرون في باريس، بين العودة المكوكية غير المأمولة، لمقابلات السفير والمبعوث الأميركي نورلاند، ثم والأهم اللقاءات الإسطنبولية للأطراف الليبية مع الصدر الأعظم، فاللقاء بين السيد هاني والسيدة ستيفاني، ما نكاء الجراح، فهذا وغيره دفعنا للعودة لنكرر ما نكرر ونكرر!

لكن التأكيد على إعادة تدوير ليبيا، لا يمنع أن ننظر، كما كان المناضل عرفات يفعل، إلى الضوء في آخر النفق، لأن السياسة هي إدارة الحياة، حيث لا حياة دون أمل، حتى عند المتهورين ومدعي اليأس، فلا يأس من الحياة إلا لمن ضمّه قبر.. وعليه فإن ما يكرره كل متفرج كل الوقت: أن الحلّ ليبي ليبي، قد حان وقته، حيث ستيفاني وغيرها يجزمون بأن ليبيا أمست مسألة أميركية ثانوية، وأن الحرب الأوكرانية أبعدت ليبيا عن لعبة طاولة الزهر، وأن الزهر في يد تركيا، التي أجرت اتفاقية مع رئيس الحكومة الوطنية المعترف بها دوليًا، وأن هذا وغيره جعل المسألة الليبية مسألة تركية، بدعم من دول أهمها الجزائر وتونس وروسيا وإيطاليا.

فإن لم تكن تركيا مساعدًا مكلفًا بإكمال توابع العملية، فإن في يدها في التو أغلب الخيوط على الأقل، وأنها تنفرد بذلك، وإن لم تكن العفريت الأزرق، فإنها الفقيه، من سيخرج الجن من الجسد المريض؟ وللتذكير، وليس اعتقادًا أن التاريخ يعيد نفسه، أن الرجل المريض/الإمبراطورية العثمانية، كلفت من قبل القوى العظمى/الإمبرياليتن بريطانيا وفرنسا، في القرن التاسع عشر، بالعودة لحكم ايالة طرابلس الغرب العام 1835، وإنهاء الحرب الأهلية بين حكامها الإخوة القرمانليين، وذلك حدث إثر حملة فرنسية عسكرية خاطفة.

إذًا فإن عدم الاهتمام المُلح بليبيا، مثل فرصة سانحة لتركيا كما يبدو، وهي لن تنفرد بالكعكة فهي تغوص في شرق المتوسط، ما مضاف إليه الثقل السوري، الذي دفعها إلى أحضان الأسد المتهالك، في هكذا حال، الجلوس على طاولة المفاوضات ضرورة وليس خيارًا.. وأعيد التأكيد أن التاريخ لا يعيد نفسه لكنها تشبه الرجل المريض، فتركيا حاليًا تفاوض الأسد، تبعث سفيرها لدولة صهيون، تركيا هذه يريدها إردوغان، أن تحصد ما تحصد من قمح الحرب، وبأقل الخسائر الممكنة.

ليبيا بأي مقاربة حبيسة الحلّ اللاحلّ، والفكاك من حبسها انتصار في كل الأحوال، بمنطق أقل الخسائر الممكنة، كما يفعل بوتن الآن، وهو يسحب جيوشه ويعلن انتصاره.. ومن يدير الشأن الليبي من الليبيين الآن وهنا، الفرصة سانحة لهم بقضمة من الكعكة التي تبددها الأيام، خاصة أن السيدة ستيفاني وليامز شخّصت حالهم، باعتبار أنهم كـ ابن نوح، من يبحث عن جبل يأويه، ولا يهمه غرق البلاد في فيضان نوح.. وليس من استنباط اليأسين القول: أن ليس ثمة سفينة نوح في الأفق، فمصاب الليبيين حاليًا مصابهم لعقود خلت، ورغم هذا لا تقنطوا.