Atwasat

ذوو احتياجات

صالح الحاراتي الخميس 27 أكتوبر 2022, 09:44 صباحا
صالح الحاراتي

في خضم الفوضى والصراع على السلطة، وما يعانيه الناس من جراء ذلك.. هناك فئة مهمة من المجتمع أراها الأكثر تضررا، فئة تعاني الإهمال والتقصير ولا يتم الاهتمام بحالهم.
في العشرية الأخيرة ومع تكرار حروبنا العبثية التي خلفت وراءها الكثير من الذين فقدوا أطرافهم وأصبحوا من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يعانون مشاق كبيرة لتقترب حياتهم من أن تكون طبيعية، إضافة إلى الثكالى والأرامل والأيتام.

التقيت ببعضهم، واستمعت لشكواهم، وأحدهم قال لي «لماذا لا تكتبوا عنا وعن معاناتنا»... الحقيقة هزتني كلماتهم وتعاطفت معهم بشدة، فأنا أدرك تبعات أن تكون إنسانا من ذوي الاحتياجات أو يتيما في مجتمع متخلف، إنه أمر في غاية القسوة.. فمسألة التعامل مع الآخرين قد تكون في غاية الصعوبة، إنه حال يحتاج منهم إلى (إرادة خارقة) لأنهم سيواجهون حالة من الإهمال المجتمعي وفقدان السند وهم يتصدون للمشاكل وللتنمر لكي يكملوا حياتهم بشكل طبيعي.

ليس اليتيم فقط من يعاني في المجتمع المتخلف، ولكنَّ ذوي العاهات الخلقية أو بسبب الحروب، لن يسلموا من الاستهزاء والتنابز بالألقاب، أو الإساءات اللفظية أو المكتوبة، ونعلم أن السائد لدينا منذ زمن هو السخرية من ذوى العاهات وغالبا ما ينادونهم بمسمى عاهاتهم.. فضعيف النظر ينادونه بـ «الأعمى» وضعيف السمع بـ «الأطرش» وكريم العين بـ «الأعور» وهكذا.. ويفوتنا أن مناداة الإنسان بألقاب معينة، لا سيما تلك التي تحمل مضامين سلبية، تمثل خطورة على تكوينه النفسي بكل تأكيد.

الواجب الإنساني يفرض علينا أن نرحمهم ونعاملهم معاملة حسنة، لأن تعرض الأيتام مثلا و«خصوصا الأطفال» الذين حرموا من الأم أو الأب أو كليهما قد يؤدي إلى إصابتهم بحالات من الاكتئاب، وإلى ضعف علاقتهم الاجتماعية، وربما يصل الأمر إلى جنوح بعضهم والسير في طريق الإجرام والتشرد، بسبب نظرة التشاؤم التي تغلب على تفكيرهم. ورؤيتهم لمستقبل مجهول.

ومن الأهمية بمكان والواجب الأخلاقي يحتم على الدولة أيضا أن ترعى ذوي الاحتياجات الخاصة الذين زادت أعدادهم بعد حروبنا الأهلية، فالاهتمام بهم يبدو مؤقتا حتى الآن، أي العلاج الطبي بعد الإصابة مباشرة ولكن مع مضي الزمن تضعف رعايتهم وتبدأ مشاكلهم تظهر على السطح، ومثالا على ذلك، «تعد مشكلة المسكن الملائم لهم من أهم المشاكل التي تواجه أصحاب الإعاقات الحركية»، لأننا نفتقد المواصفات الخاصة لهذا المسكن مثل أن يقع في الطابق الأرضي وألا يحتوي على درجات وعتبات مرتفعة وغير ذلك من الوسائل التي تيسر لهم حياة مريحة.

بعيدا عن دور الدولة في رعاية ذوى الاحتياجات الخاصة هناك دور مهم يتمثل في وجوب تغيير نظرة الناس لتلك الشريحة من المجتمع، فالنظر إليهم بعين الاستغراب، لها انعكاس سلبى على نفسية المصاب، إنهم في حاجة لفرصة تمنحهم التفاعل الإيجابي داخل المجتمع. حيث لا زالت خيارات العمل المتاحة أمامهم محدودة.

وأخيرا يجدر التنبيه إلى أن هناك عبارة رائجة تقول «كل ذي عاهة جبار»، التي ربما كانت سببا في رواج رؤية بعضنا السلبية لتلك الفئة، لأننا نفسرها بشكل خاطيء أي بمعنى «أن كل ذي عاهة جبار في سلوكه وطباعه، وأنه شخص شرير ذو جبروت».. لكن عند التفكير في هذه الجملة، وبالواقع الذي نراه، نجد أن كل ذي عاهة جبار تعني أنه إنسان له إرادة قوية بحيث يستطيع إنجاز كل شيء برغم إعاقته وأنه يبذل جهدا خارقا مضاعفا لتحقيق ما يصبوا إليه.